المواطن/ كتابات – فهمي محمد
الدولة كفكرة حديثة بالمفهوم السياسي والقانوني والمؤسساتي هي الحقيقة الغائبة في اليمن ، وهي اليوم غائبة اكثر من اي وقت مضى في تاريخنا الحديث والمعاصر ، لكن هذا الغياب المزمن لا يعني عدم وجود نظام حكم يمثل دور المرجعية العليا ويمارس في نفس الوقت سلطة القوة والإكراه على المجتمع ، بل يعني أن هذا الغياب يكون دائما لصالح وجود سلطة تستطيع أن تضيف إليها ماء شئت من الأسماء والتعريفات = سلطة قبلية ، أو سلطة حزبية أو سلطة عسكرية أو سلطة مذهبية الخ
عندما تغيب الدولة كفكرة حديثة بالمفهوم السابق مقابل حضور السلطة بالمفهوم السابق فمن الطبيعي أن تتحول هذه الأخيرة تلقائيا إلى غنيمة ومكسب للحائزين على مقاليدها ، وهذا ما يفسر كثافة الصراع المستمر على السلطة في اليمن الموحد منذو 1990/ وحتى اليوم ،
وحتى حين تتمكن نضالات المجتمع من صناعة الفرصة التاريخية وطرح فكرة الدولة ومفهومها كمطالب جادة وملحة على الطاولة كما حدث في 2011/م ، فإن تلك المطالب المتعلقة بالدولة سرعان ما تجد نفسها بدون حوامل سياسية في معادلة صراع أطرافها الرئيسيين غير مؤهلين لإدارة معركة الدولة أو أن مخيالهم السياسي لم يعرف يوماً قط الفكر السياسي لهذه الدولة بالمفهوم الثقافي والفكري والقانوني والمؤسساتي وحتى الأخلاقي ، لهذا دائما ما تنتهي معادلة الصراع وتتوقف الحروب المتكررة في اليمن لصالح وجود السلطة وليس لصالح وجود الدولة ، بل أكثر من ذلك مفارقة ومسخره أنه حين تم رفع شعار المطالبة بالدولة وبشكل جدي في زمن تبدو مثل تلك المطالب أمراً بديهي ، وجدنا أنفسنا بعد ذلك نعيش في واقع ينتمي ليس إلى عصر ما قبل الدولة بل إلى عصر ما قبل السلطة = سلطة المليشيات المتعددة والجماعات المسلحة والمنفلته .
اعتقد جازما أن مشكلتنا بقدر ما تتعلق بغياب دولة مدنية تحكم واقعنا بقدر ما تتعلق بما تعانيه الدولة كفكرة وكمفهوم ثقافي وسياسي من حالة اغتراب وتغيب في مخيالنا السياسي وفي سلوكنا العملي لاسيما عند من يدعون أنهم يناضلون من اجل وجود الدولة .
على سبيل المثال فقط ، لو توقف بناء الحديث في هذه المقالة عند منشور الناطق الرسمي للجيش الوطني عبدالباسط البحر والمنشور على صفحته في 2019/4/6/ تحت عنوان ” يهود المدينة يمارسون الحرب النفسية ضد الجيش المسلم ” ومع أن الناطق اورد في منشوره قصة من التاريخ مع ذكر المرجع ، ثم عقب بشيء من الفذلكة ان منشوره هذا ياتي بصدد توجيه معنوي وثقافي على شكل حلقات للجيش الوطني ، لكن الرساله وصلت للمعنيين بها لاسيما أن المنشور صدر في يوم خروج المظاهرة من امام باب المدينة القديمة ، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن المنشور في حد ذاته يكشف عمق الأزمة الثقافة الذي يعاني منها الناطق الرسمي للجيش الوطني مع مفهوم الدولة المدنية هذا في حال أن سلمنا أن صدور مثل هذا المنشور كان فعلا بحسن نيه ، بمعنى آخر هل من المنطقي أن تبنى عقيدة الجيش الوطني الذي يطلب منه بناء دولة مدنية أو حمايتها بمفردات الاسلام والكفر والمسلمين واليهود …الخ .
الست محقاً اننا جميعاً غير مؤهلين لخوض معركة الدولة المدنية أو الانتصار لها ، أو أن الدولة المدنية كمفهوم ثقافي ومعرفي تعاني محنة كبيرة مع ثقافتنا الرديئة والممانعة لوجود الدولة والباحثة في نفس الوقت عن السلطة كمغنم ومكسب ؟؟؟
2019/4/9