عيبان صبر
يشكل العنف القائم على النوع الاجتماعي إحدى القضايا الإنسانية البارزة في العديد من البلدان حول العالم، ومنها اليمن، حيث يتفشى هذا العنف إلى حد بعيد في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة.
وتشير التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان إلى أن الآلاف من النساء والفتيات في اليمن يتعرضن لأنواع متعددة من العنف، بدءًا من العنف الجسدي والنفسي، مرورًا بالعنف الجنسي والاقتصادي. وبينما يبقى هذا هو الواقع المؤلم، فإن الأمل في التغيير يبقى قائمًا بشرط تبني استراتيجيات فعالة لمكافحة هذه الظاهرة.
-أسباب العنف القائم على النوع الاجتماعي
تتعدد الأسباب التي تسهم في انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي وفي مقدمتها.
1. التصورات الثقافية والاجتماعية: يعزز العديد من أفراد المجتمع اليمني الصورة النمطية التي تحد من دور المرأة في الحياة العامة، مقتصرًا على الأعمال المنزلية وتربية الأطفال. وقد أشار تقرير “مؤسسة الأمن الغذائي والإنماء” في 2021 إلى أن 70% من النساء اليمنيات يواجهن قيودًا اجتماعية تمنعهن من المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات الأسرية والمجتمعية.
2. الفقر والتمييز الاقتصادي: يواجه اليمن أزمة اقتصادية خانقة، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، وبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2023. يساهم الفقر في تفشي العنف داخل الأسر، حيث يضطر البعض إلى اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعامل مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
3. غياب الوعي والتعليم: تفشي الجهل بحقوق الإنسان يعد من أبرز العوامل التي تساهم في تفشي العنف ضد النساء. وتشير دراسة أجرتها “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسيف) في 2022 إلى أن نسبة الأمية في صفوف النساء اليمنيات تصل إلى حوالي 60%، ما يجعل تغيير المفاهيم الثقافية حول حقوق المرأة أمرًا صعبًا.
أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي
تتعدد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن، ومن أبرزها.
1. العنف الجسدي: تتعرض العديد من النساء للعنف الجسدي داخل أسرهن، حيث أشارت “مؤسسة العدالة الاجتماعية” في تقريرها لعام 2022 إلى أن 40% من النساء اليمنيات تعرضن لهذا النوع من العنف.
2. العنف النفسي والعاطفي: يعاني أكثر من 30% من النساء في اليمن من اضطرابات نفسية نتيجة للعنف النفسي والعاطفي الذي يتعرضن له داخل الأسر، كما أكدت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في تقريرها لعام 2022.
3. العنف الجنسي: يعتبر العنف الجنسي من أبرز أشكال العنف ضد النساء في اليمن. وفقًا لدراسة أجرتها “منظمة أوكسفام” في 2023، فإن 50% من النساء اللاتي اُسْتُطْلِع آراءهن في المناطق التي شهدت نزاعًا تعرضن لأشكال من العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري.
4. العنف الاقتصادي: يتعرض حوالي 30% من النساء في اليمن للحرمان من العمل والتحكم في مواردهن المالية من قبل أزواجهن أو أقاربهن الذكور، مما يعزز التبعية الاقتصادية، ويزيد تعرضهن للعنف.
الآثار المترتبة على العنف القائم على النوع الاجتماعي
تترتب على العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن آثار سلبية متعددة، نذكر منها
1. الآثار النفسية: يعاني حوالي 70% من النساء اللواتي تعرضن للعنف من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة، وفقًا لدراسة نشرها “معهد الأبحاث النفسية” في صنعاء عام 2022.
2. الآثار الصحية: تشير إحصائيات “منظمة الصحة العالمية” إلى أن العنف الجنسي في اليمن يساهم إلى حد بعيد في زيادة معدلات الأمراض المنقولة جنسيًا، كما يؤدي العنف الجسدي إلى ارتفاع معدلات الإجهاض غير الآمن والمضاعفات الصحية الأخرى.
3. الآثار الاجتماعية: يؤدي العنف إلى عزل النساء عن محيطه الاجتماعي، ما يفاقم من عزلة المرأة، ويزيد معدلات الفقر، ويقلل من فرصهن في الحصول على التعليم والعمل، كما يوضح تقرير “المركز الوطني للإحصاء” في اليمن.
4. الآثار الاقتصادية: يقلل العنف من قدرة النساء على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، ما يفاقم الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الأسرة. تقرير البنك الدولي لعام 2023 أشار إلى أن النساء اللواتي يتعرضن للعنف يشاركن بشكل أقل في النشاطات الاقتصادية، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في اليمن.
التحديات في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي
رغم الجهود المبذولة لمكافحة العنف، تواجه اليمن العديد من التحديات في هذا المجال.
1. الافتقار إلى تشريعات قوية: القانون اليمني لا يزال ضعيفًا في توفير الحماية للنساء من العنف، حيث لا توجد قوانين شاملة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفقًا لتقرير “مركز الحقوق والعدالة” لعام 2022.
2. الوصمة الاجتماعية: كثير من النساء يعانين وصمة العار المرتبطة بالعنف، مما يمنعهن من طلب المساعدة أو الإبلاغ عن الحالات. وفقًا لاستطلاع أجراه “المركز اليمني لحقوق الإنسان” في 2023، فإن 60% من النساء اللاتي تعرضن للعنف يواجهن الخوف من رد فعل المجتمع.
3. ضعف الوعي بحقوق الإنسان: يفتقر المجتمع اليمني إلى الوعي الكافي بحقوق الإنسان، ما يزيد استمرار العنف ضد النساء. تقرير “اليونيسيف” لعام 2022 أفاد بأن 45% من النساء في اليمن لا يعرفن حقوقهن القانونية.
سبل الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي
من أجل تقليص العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن، هناك عدة خطوات ينبغي اتخاذها، أبرزها
1. تطوير التشريعات وتطبيق القوانين: من الضروري أن تضع الحكومة اليمنية قوانين صارمة لمكافحة العنف وتوفير الحماية القانونية للنساء، مع ضمان تطبيقها بشكل فعال في مختلف المناطق.
2. التوعية والتعليم: يجب نشر الوعي في المجتمع حول مخاطر العنف وأهمية المساواة بين الجنسين، وتضمين قضايا حقوق المرأة في المناهج الدراسية.
3. دعم الضحايا: ينبغي إنشاء مراكز متخصصة لدعم الضحايا من خلال توفير خدمات قانونية ونفسية وصحية. كما تشير “منظمة الصحة العالمية” إلى أن الدعم النفسي والقانوني يعد أمرًا حاسمًا لتمكين النساء من التعافي.
4. التغيير الثقافي والاجتماعي: يتطلب الوضع تغييرًا ثقافيًا واجتماعيًا، من خلال التعليم ووسائل الإعلام لتعزيز المساواة بين الجنسين وتفكيك المفاهيم التي تروج للعنف.
يبقى العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن قضية ملحة تتطلب تكاتف الجهود المحلية والدولية. إن تطوير التشريعات، وزيادة الوعي المجتمعي، وتوفير الدعم للضحايا تمثل الخطوات الأساسية في مكافحة هذه الظاهرة. في نهاية الأمر، ينبغي أن نعمل جميعًا من أجل بناء مجتمع آمن تحترم فيه حقوق الجميع، ويعيش أفراده بعيدًا عن العنف.