توفيق علي – اندبندنت عربية
تتجاذب آراء المتابعين للأعمال الدرامية اليمنية بين موجة النقد اللاذع باتهامها بالتهريج، ومن يعتبرها في مراحل التكوين الأولي بناءً على حداثة التجربة التي يمكن وصفها، إجمالاً، بأنها موسمية ومختزلة خلال الموسم الرمضاني فقط.
وعلى وقع المدفعية التي تثير غبار مشهد البلد العام، تشيح كاميرا هذا الموسم لتستنطق الصراع الدامي وتستجلبه في خفايا النص والصورة تارةً، وتبرزه في واجهة المشهد، على نحو جلي وواضح، تارةً أخرى، مؤكدةً بهذا، أن ثماني سنوات من الحرب قد ملأت كواليس الإنتاج الفني والتلفزيوني كعنوان بارز لمرحلة “التعبئة” لواقع الحال، عاكسةً حالة الاصطفاف السياسي والفكري الحاد الذي طاول كل شيء.
ثنائية الشد والجذب
وكما جرت العادة في كل عام، حفلت آراء المتابعين إزاء الأعمال التلفزيونية هذا العام بانقسام المتلقين الذين عبّر بعضهم عن سخطه من مضمون وشكل ما تنتجه، مقارنة بما تعرضه نظيرتها العربية. إذ تتهم من قبل قطاع واسع بالتهريج والسذاجة، فضلاً عن اعتمادها على الكوميديا المباشرة المتكلفة، التي لا تخدم فكرة الموضوعات المطروحة، وتقديمها صورة اليمني على نحو من البؤس والسذاجة. فيما اعتبرها البعض الآخر من النقاد والمتابعين، جيدة، أو ليست سيئة في أحسن الأحوال، معللين رؤياهم بأن أوجه القصور التي تعتري مشاهدها، تحتملها بدايات تكوينها الأوّلي في بلد لا تلقى صناعتها فيه رواجاً.
تنافس
ولكسب وُدّ المتابع، تتنافس هذا العام عدة أعمال يمنية لعل أهمها مسلسل “طريق المدينة” الذي يقدم في قالب تاريخي، بمشاركة عدد من الفنانين من سوريا والأردن، وهو من تأليف مروان قاوون وزكي مارديني، ومن إخراج كنان إسكندراني وكاو أردار، وبطولة فهد القرني وأماني الذماري، وسالي حمادة ويحيى إبراهيم ويعرض على قناة “يمن شباب”.
وهناك أيضاً مسلسل “ربيع المخا”، الذي تدور أحداثه في مدينة المخا الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، وتُستوحى أحداثه من القرن التاسع عشر، عندما شهدت هذه المدينة ازدهاراً تجارياً بتصدير البن اليمني من مينائها إلى كل العالم، وهو من بطولة عامر البوصي ومنى الأصبحي وإخراج وليد العلفي، وإنتاج قناة “السعيدة”، إضافة إلى مسلسل “عاصفة” من تأليف وإخراج زيدون مبارك العبيدي، وبطولة الفنانة أفراح محمد، وتم تصويره في مدينتي الشحر والمكلا بمحافظة حضرموت، ويعرض على قناة “حضرموت”.
كما تحفل شاشة رمضان بعرض مسلسل “ليالي الجحملية” بجزئه الثاني الذي يستوحي أحداثه من ثمانينيات القرن الماضي، من خلال أشهر الأحياء السكنية في تعز، ويُعرض على قناة “يمن شباب”.
كوميديا سياسية
كان لافتاً إفرازات الحرب على الإنتاج الفني التي برز منها جملة من البرامج والمسلسلات الكوميدية المحملة بالرسائل السياسية الصريحة والمباشرة.
وعلى الرغم من حالة الجدل الذي تثيره، بين مؤيد ومعارض بطبيعة الحال، فإن هذا الإنتاج اكتسب متابعة ملحوظة تؤكدها الأرقام التي تذيل خانات المشاهدات والمتابعين في صفحات الأعمال المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل من أبرزها حلقة “غاغة”، وهو البرنامج الكوميدي الساخر الذي يعده ويقدمه الفنان الشعبي، محمد الأضرعي، ويبرز فيه الواقع الصعب في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، منتقداً العنصرية والطبقية والسلالية التي تروج للاصطفاء والولاية والتبعية لإيران.
و”غاغة” مفردة يمنية تُحيل كل أمر يتخذ بلا عقل أو منطق.
من يعبر عن الناس؟
وفي ما يشبه الجدلية التاريخية التي تطرحها فكرة: من بعبر عن الناس؟ هل الفن أم السياسة؟ تجيب عنه الأعمال اليمنية التي برز في مضامينها البعد السياسي الطافح على نحو غير مسبوق.
يقول الناقد الفني اليمني، محمد المقبلي، إن هناك أعمالاً حاولت أن تستنطق التاريخ مجدداً، كما هو الحال بمسلسل “ربيع المخا” الذي لا يخلو من البعد السياسي، كون فكرته مرتبطة بحقبة سياسية معينة، وهو إسقاط لما يعانيه اليمنيون اليوم جراء ذات الممارسات السياسية والطائفية على يد من يرون الحكم حصراً لهم (في إشارة للميليشيات الحوثية).
ويضيف، “من الناحية الفنية هناك نصوص هزيلة فيما يتعلق بالقصة الدرامية التي تظهر غير متماسكة وليست على قدر جيد من عنصر شد الانتباه للمشاهد، خصوصاً في العصر الحالي، حيث معظم المشاهدين مشدودون لما تبثه (نتفليكس) والمنشآت الرقمية، فمن المهم أن تواكب هذا التطور الهائل”.
إيحاءات جريئة
يتطرق الناقد إلى مسلسل “طريق المدينة” الذي “جاءت رسالته السياسية واضحة وجلية، إذ يتناول بجرأة عالية ما كان يدور في قصور الأئمة (نظام الحكم اليمني القديم قبل ثورة 1962) بشكل صريح، وامتزج الأمر لأول مرة في تاريخ الدراما اليمنية، بايحاءات جنسية صريحة مرتبطة ببعد سياسي في قصة وهبية التي هي رمزية مأخوذة من رواية الرهينة للكاتب اليمني زيد مطيع”.
هجوم لا فنون
في المقابل، تبث قناة “المسيرة” عدداً من الأعمال الرمضانية التي تطرح فكرة ومشروع الجماعة الحوثية.
ووفقاً للمقبلي، فإن الأعمال الفنية الحوثية “محملة بالتحريض السياسي بشكل صريح، ولكنها أعمال تضمنت هجوماً سياسياً مباشراً وفجاً يخلو من المسألة الفنية، وهي أقرب للخطب الحوثية المتشنجة عنها إلى العمل الفني، حيث تتضمن في المجمل مهاجمة الشرعية والتحالف بشكل صريح والخصوم السياسيين”.
ويعتبر أن هذه الأعمال “أوصلت رسائل سياسية مضادة لهوية اليمنيين وإجماعهم الوطني، وهي بمثابة عمل تعبوي أكثر من كونها رسالة درامية فنية، وهذا لا يعني أن تقدم الأعمال على ذات الهوى السياسي، ولكن يجب أن تضمن في قالب فني مقبول”.
رسالة لم تصل
وفي حين يواجه عدد من الأعمال الأخرى موجة نقد لاذع واتهامها بضعف الحبكة الدرامية والسيناريو وتقنية الإخراج والتصوير، يقول المقبلي إن هناك مسلسلات حاولت أن تقدم رسالة سياسية معينة، ولكنها فشلت.
ويستدل بمسلسل “أبواب صنعاء“، الذي “على الرغم من التجهيزات الفنية العالية التي حظي بها فإنه قُدّم بنص هزيل لم يمنحه القدرة الكافية على أن يقدم رسالته وإن بشكل مقبول”.
مسلسلات جهوية
وحفلت الخريطة الرمضانية بأعمال ذات طابع جغرافي لمحافظات معينة، واتهم آخرون تناولها الدرامي بأنه جاء بصيغة مناطقية، وهو إجراء فني غير مسبوق.
في هذا الجانب يؤكد المقبلي أن هناك أعمالاً تنوعت في متابعة الجمهور بين أبناء البلد بشكل عام، ولكن نجد أن هناك مسلسلات حملت خصوصية جغرافية واجتماعية معينة كما هو الحال بالمسلسلات التي تقدمها قنوات محافظة حضرموت التي تجسد البيئة الحضرمية، بالتالي فهي تستهدف بالدرجة الأولى المشاهدين في هذه المحافظة”.
ويستدرك، “لكن هناك مسلسلات نجحت في تجاوز المسألة الجغرافية وحظيت بمشاهدة من جميع اليمنيين بشكل عام، خصوصاً إذا حوت فكرة أو قضايا مشتركة، ولنا تجارب تدل على ذلك، مثل مسلسل (همي همك)، وغيره”.
طريق للمدينة يعبر الجهويات
في المقابل، يرى أن هناك مسلسلات عابرة للجغرافيا والجهويات، ومنها مسلسل “الطريق إلى المدينة”، لكون السيناريو والحوار جرى بالفصحى، وحظي بمتابعة كبيرة.
نقلة نوعية
كان لافتاً حضور المسلسل الكرتوني الدرامي “مغامرات نشوان” لأول مرة في تاريخ الأعمال التلفزيونية في البلاد، من إنتاج قناة “يمن شباب”، ويحكي قصة فتى اسمه نشوان يتنقل عبر دراجته العجيبة إلى حقب زمنية عديدة في التاريخ تحكي كل رحلة فيه جانباً مشرقاً من تاريخ اليمن، وجانباً مظلماً من تاريخ الإمامة، ويُعد الأول والأضخم من نوعه في اليمن. وترجع تسمية شخصية نشوان للمؤرخ اليمني نشوان بن سعيد الحميري. ويعتبره المقبلي “نقلة نوعية في مسار العمل التلفزيوني اليمني في تاريخه، للتفوق الذي أبداه في الفكرة والسيناريو والحوار والتنفيذ والإخراج والتشويق، وكذا في الرسوم المتحركة التي ظهرت بجودة عالية”.
لا مجال للمنافسة
عن الآلية التي تضمن جودة التنافس اليمني ليقترب من الإنتاج الفني العربي، تقول الفنانة والمخرجة نرجس عباد، إن الدراما اليمنية لا يمكن، بأي حال، تصنيفها في مستوى الدراما الحقيقية لأسباب عدة من بينها أنها صناعة موسمية يتم التعاطي معها وفقاً لمبدأ “تحصيل الحاصل ووسيلة للبحث عن المال”.
وتشير إلى الجانب السياسي الذي “سيلحظه المشاهد من خلال المحطة التي تبث المسلسل، وهذا داخل بقوة، وأصبح من دون تحفظ في أعمال هذا العام تحديداً”.
من كومبارس إلى منتجين
وفي حين يحظى بعض هذه الأعمال بمتابعة جماهيرية جيدة، اعتبرت عباد أن “الجمهور أصبح يميز بين الأعمال الهادفة التي تشد المتلقي، والأعمال التي تستفزّه، ولايستطيع الاستمرار في متابعة بقيتها، نظراً لعامل الملل الذي تعكسه لدى المتلقي”.
وتختتم، “إجمالاً، يؤسفني أن الدراما لهذا العام جزء تابع لمسلسلات الأعوام السابقة، ولايوجد فيها عامل التشويق والجذب في المواضيع المتناولة، وهذا يدخل في إدارة الإنتاج والمنتجين الذين ليس لديهم الخبرة في اختيار الأعمال المنافسة، لأنهم وجدوا أنفسهم فجأةً من كومبارس إلى منتجين، ولا يهم عنصر المنافسة الشريفة واختيار الأعمال الجادة”.
تقدم بطيء
على الجانب الآخر، يعتبر البعض أن نقد الأعمال اليمنية فيه تجنٍّ على اجتهادات صناعتها وفنانيها الذين يواجهون واقعاً صعباً كحال القطاعات الأخرى في البلد.
ولهذا، يرى الكاتب الفني، نشوان العثماني، أن الدراما المحلية شهدت تقدماً، ولكنه بطيء، وهو أمر منطقي نتيجة غياب الصناعة التلفزيونية المتخصصة في اليمن وضعف الإنتاج الدرامي.
ويضيف مستدركاً، “لكن سياق معالجة الدراما في الأعمال اليمنية إجمالاً لا تزال تحبو في بداياتها من حيث الضعف الذي يعتري السيناريو، ومهارة الممثلين والتصوير والديكور وغيرها من الجوانب الفنية الأخرى المتعلقة بالفكرة والمعالجة”.
المعالجة برؤية سياسية
يلحظ العثماني أن الجانب السياسي احتل حيزاً واسعاً في أفكار أعمال هذا العام، وهو أمر طبيعي نتيجة استمرار الحرب كمحاولة لمعالجة مشكلاتها المتعلقة بها سياسياً واجتماعياً.
عن المعالجة الدرامية التي انتقدها يوضح أن “الجهات المنتجة فرضت رؤياها السياسية بشكل واضح،
والسبب أن القنوات اليمنية منحازة للممول في سياق الاصطفاف السياسي الذي تشهده البلاد منذ مدة ليست بالقصيرة”.