المواطن/ كتابات – فهمي محمد
في شمال اليمن كان الصراع السياسي يتنامي بشكل تصاعدي لاسيما بين القوى المحسوبة على معسكر الثورة ، وهو الصراع الذي أدى إلى انتصار القوى التقليدية التى تكتلت عبر المؤتمرات القبلية والجهوية ، وتمكنت من الإنقلاب على الرئيس السلال في 5/نوفمبر 1967/م ، الذي دعمته ورحبت به قيادة الإخوان المسلمين وحزب البعث بينما وقفت حركة القوميين ضد هذا الانقلاب رغم إختلافها مع السلال ، ومع مصر عبدالناصر بخصوص تطورات الأحداث في جنوب اليمن .
واذا كان موقف الإخوان مع انقلاب نوفمبر هو موقف مبدئي واستراتيجي إيديولوجي ذا بعد ديني فإن موقف البعث كان موقف سياسي تكتيكي بدافع الصراع المحتدم يومها مع الرئيس عبدالناصر الذي كان يقف خلف السلال، وكذلك كان ردت فعل للإقصا الذي تعرض له الحزب ، من قبل سلطة الرئيس السلال التي بلاشك أرتكبت بعض الأخطاء وفي مقدمتها إصدار القانون المحرم للوجود الحزبي ، وهو القانون الذي ألغى مبكراً دور الفعل السياسي الحزبي والتعددي = ( المدني بطبعه ) وفتح المجال السياسي العام أمام الفعل السياسي القبلي والجهوي والاصولي = ( التقليدي بطبعه ) لاسيما مع صدور قانون يشرعن للوجود القبلي من الأدنى الى الأعلى في هرم السلطة الحاكمه بعد الثورة في شمال اليمن ، وقد تطور الحال موخرا الى إستحداث وزارة في الحكومة لشؤون القبائل كانت معنيه بالأساس بالقبائل القاطنه في الهضبه الشمالية دون غيرها ، وإذا كان من ثمة تعليق على هذان القانونان اللذان صدرا مبكراً من عمر الثورة فإن صدورهما شكل اول الإنتصارات العملية للقوى التقليدية على مشروع الثورة والجمهورية في شمال اليمن .
بعد رحيل القوات المصرية ونجاح القوى التقليدية في السيطرة على مقاليد السلطة على إثر انقلاب 5/نوفمبر 1967/م ، تجمعت القوى الملكية في أشرس معاركها ضد الثورة واطبقت حصارها القاتل على العاصمة صنعاء فيما عرف يومها بحصار السبعين يوم ، والذي سقط في 1968/2/8م
في هذا المنعطف التاريخي الهام كانت حركة القوميين =( الإطار السياسي الاول للحزب في الشمال ) التي تأسست خليتها الاول في تعز على يد ثله من الرفاق وهم ( عبدالرحمن محمد سعيد ، مالك الارياني ، على سيف مقبل ، عوض الحامد) تحت إشراف يحي عبد الرحمن الارياني وسلطان احمد عمر المكلفين بهذا الأمر من القيادة المركزية في 1959/م ، وقد كان عبدالرحمن محمد سعيد القائد الفعلي لهذه الخلية بعد التأسيس بينما كان عوض الحامد هو القائد ظاهريا ، ربما كانت طبيعة المرحلة أمنيا تستدعي هذا التمويه في الشكل القيادي على الرجل الأول في قيادة الحركة .
عطفاً على ما سابق ذكره كانت الحركة أثناء إنقلاب 5/نوفمبر/ تشهد تحولات فكرية وأيديولوجية ، كما كانت في المقابل اكبر المكونات السياسية انتشاراً داخل المؤسسة العسكرية ، لكونها دفعت منذو بداية الثورة باعضائها إلى صفوف الجيش والشرطة والمؤسسات المدنية للدفاع عن الثورة في حربها مع الملكيين والتي استمرت ثمان سنوات ولم تتوقف بشكل نهائي إلا بعد إتفاقية 1970/م ، بعد أن تم تصفية الحامل السياسي للمشروع الثوري والجمهوري ، يومها كان محسن العيني رئيس الحكومة ، والقاضي الارياني رئيساً للجمهورية .
عندما بدأت القوات الملكية تقصف صنعاء وتطوقها في1967/12/27/م وحتى 1978/2/8/ = ( حصار السبعين يوم ) تخلا الكثير عن عاصمة الجمهوري وسافروا الى خارج البلد ومنهم من غادرها الى محيط صنعاء والى تعز ، يومها كان مشهد سقوط صنعاء واستباحتها على يد القبائل في عام 1948/م ، يلوح في الأفق ويوشك أن يتكرر في حسابات تلك القوى المحتشدة في معسكر الثورة لاسيما هؤلاء الذين غادروا صنعاء احترازاً من تكرار المشهد المأساوي على رؤوسهم ، وقد عزز مثل هذه المخاوف أن حصار صنعاء حدث بعد إنسحاب القوات المصرية من اليمن وانكفاء الدور المصري وتعاظم الدور السعودي في اليمن على إثر العدوان العسكري الإسرائيلي على القوات المصرية = ( نكسة 1967/م ) .
وفي هذا المنعطف التاريخي الحرج والمخيف والحاسم في معادلة الصراع العسكري بين الملكية والجمهورية ، ظل أعضاء حركة القوميين العرب = ( الإطار السياسي الاول للحزب في الشمال ) داخل العاصمة صنعاء ورفعوا شعارهم النضالي والمعرف تاريخيا = ( الجمهورية أو الموت ) وفي سبيل ذلك تم على وجه السرعة داخل الجيش تغييرات في الهرم القيادي دفعت بالضباط الشباب المحسوبين على الحركة إلى قيادة الجيش والوحدات العسكرية ، عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس هيئة الأركان ، اضافيه الى كونه قائد قوات الصاعقة ، عبدالرقيب الحربي نائب رئيس هيئة الأركان ، على مثني جبران قائد سلاح المدفعية ، اضافيه الى محمد صالح فرحان ، حمود ناجي سعيد ، محمد مهيوب الوحش ، الذين تولوا قيادة المظلات والمشاه ، في حين ظل قائد سلاح المدرعات محسوب على البعث .
وفي المقابل تحرك أعضاء الحركة وشكلوا قيادة للمقاومة الشعبية ، تكونت من ، مالك الارياني ، محمد داغش ، على مهدي الشنواح ، على محمد زيد ، صالح احمد السلامي ، وكلهم حركيين ، إضافة إلى سيف احمد حيدر بعثي سابق ، عبده سلام بعثي ، وقد تلقت المقاومة الشعبية دعمها الرئيسي من الجبهة القومية التي كانت قد تولت السلطة في جنوب اليمن ، وعملت على تقديم الدعم للمقاومة الشعبية عن طريق المرحوم سعيد عبدالوارث الإبي .
صحيح أن حصار صنعاء وحد كل القوى المتصارعة داخل معسكر الثورة ، حركيين ، ناصرين ، بعثيين ، تقليدين ، جميعاً قاتلوا حتى سقط حصار الملكيين عن العاصمة صنعاء لكن حركة القوميين كانت أكبر الحاضرين في تلك المعركة المفصلية في تاريخ الثورة والجمهورية لاسيما صمود عبدالرقيب ورفاقه داخل العاصمة .
في تلك الأثناء كانت التحولات الأيديولوجية قد وصلت الى ذروتها داخل حركة القوميين في الشمال ، وقد أدت تلك التحولات الى عقد مؤتمر لأعضاء الحركة من 24 الى 1968/6/26/م ، تم بموجبه قطع العلاقة نهائيا مع قيادة حركه القوميين المركزية = ( الام في بيروت ) وتحولها إلى الحزب الديمقراطى الثوري ذو التوجه الاشتراكي العلمي والبعد الأممي بدلاً عن البعد القومي ، وقد شغل الرفيق عبد الحافظ قائد المسئول التنظيمي فيه الى جانب الامانه العامه للحزب ، وعلى إثر هذا التطور شكل الحزب الديمقراطى الثوري الإطار السياسي الثاني في سُلم التكوين التاريخي للحزب الاشتراكي في شمال اليمن .
يتبع……