فهمي محمد
المواطن-تحليلات
قد يبدو هذا العنوان فيه شيء من الإشكال والتعجب لدى الكثيرين من القراء ، لكن في حقيقة هذا الاشكال تكمن مشكلة تعز بعد ثلاث سنوات من الحرب والدم النازف ، فإذا كانت الروح الثورية شرط موضوعي لمواجهة الانقلاب وتحرير تعز ، فإن تلك الروح الثورية قد جعلت من تعز مدينة متمردة في حسابات التحالف وقوى الانقلاب على حداً سواء .
معركة التحرير في تعز أصبحت محكومة بالعديد من المعطيات والسياسات والحسابات التي تشكل كوابح تعمل على فرملت تحقيق التحرير حتى يتم إعادة ضبط المصنع في هذه المدينة الثائرة بما ينسجم مع اجندة الاطراف الفاعلة في معادلة الصراع والحرب في اليمن لا سيما السعودية ودولة الامارات .
تقول المعطيات اولاً ان تعز ثارت في 2011/ بل وشكلت الجهاز المفاهيمي والجماهيري الذي نفخ الروح في حركة الثورة السلمية ضد النظام الحاكم في صنعاء ،
حتى في ساحة العاصمة وفي عقر دار النظام الحاكم كانت تعز حاضرة بزخمها الثوري وبمشروعها الوطني وبطموحها المستقبلي وتراثها السياسي الذي تم توظيفه كادوات نضالية في زخم الثورة وحركة الفعل الثوري ،
فتعز بكل جموحها الثوري كانت رأس الحربة في ثورة 2011/ ، لذلك لا عجب ان يقول المفكر السياسي ياسين سعيد نعمان في توصيف حال المدينة ” تعز تعاقب لإنها ثارت ” فالثورة اصبحت عيب تعز الاكبر بل ومسبتها بين الأعراب الاجلاف في جزيرة العرب .
وتقول المعطيات ثانيا ان تعز وبعد ان عادت صنعاء في 21/ من سبتمبر ، لممارسة دورها التاريخي في إبتلاع الثورات ومكتسباتها في اليمن انتفضت في وجه هذا الانقلاب وخرج شبابها في تظاهرات الــ20/ من مارس يرفضون مشروع الانقلاب ، وقبل ذلك خرج شبابها في تظاهرات داخل صنعاء يرفضون سقوط العاصمة بيد المليشيات بعد ان سيطر شبح الرعب والانقلاب بعد ايلول الاسود على حد وصف صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني حيث كانت اول صحيفة توصف مايجري بكونه انقلاب ،
وبعد ان ضاقت خيارات المقاومة السلمية امام شبابها في مواجهة الانقلاب حملت تعز السلاح بهدف الدفاع عن الفرصة التاريخية وعن المستقبل في اليمن .
وتقول المعطيات ثالثاً ان تعز وبعد ثلاث سنوات ونصف من الانقلاب والحرب والتدخل الاقليمي عسكريا وهو التدخل الذي أفرز اجندات ومشاريع خاصة تتقاطع مع المشروع الوطني والسيادي ومع مشروع ثورة فبراير ، فإنها مازالت حتى اليوم تعد المحافظة التي تشكل بحق الرافعة المؤهلة لمشروع ثورة فبراير ومخرجات الحوار الوطني والدولة الاتحادية ، فهي حتى اليوم تقاتل دون اجندة خاصة بها تتقاطع مع مشروع ثورة فبراير عكس ما يحدث في بعض المحافظات الجنوبية المحررة على سبيل المثال وليس الحصر ، فتعز حتى اليوم تقاتل عن اليمن الجمهوري الاتحادي الموحد إن صح التعبير ولم يجانبني الصواب في تحليل الاحداث المتزاحمة في المشهد اليمني .
وتقول المعطيات رابعاً ان تعز بقدر ما تشكل من جهة ثقل سياسي ومخزون سكاني متفجر يعكس حالة من الحضور الكثيف للشباب الطامح وصاحب الحق المشروع في تقرير شكل المستقبل، بقدر ما تعد من جهة اخري مستودع للقيم المدنية المتأصلة والمتجذرة داخل تراث سياسي مشبع بالرموز الوطنية والنضالية امثال النعمان وعبدالفتاح وعبدالرقيب عبدالوهاب وعيسى محمد سيف وعبدالحبيب سالم واحمد عبدالرحمن صبر وتلك نماذج على سبيل المثال فقط ، وهو ما يجعل منها في كل الاحوال حاضنة شعبية وجماهيرية وثقافية للعمل النضالي والسياسي والحزبي بل وللفعل الثوري بشكل مستمر ،
هكذا تعز تقدم نفسها عبر الحقب الزمنية وفي كل المنعطفات التاريخية في اليمن بكونها حالة مقلقة للقوى التقليدية وللانظمة الوراثية لاسيما دول الجوار التي نعتقد جازمين انه من سخرية الاقدار أن اصبحت تقود تحالف عسكري مساندة للشرعية في اليمن .
وتقول المعطيات خامساً ان تعز بعد ثلاث سنوات ونصف من الحرب والتدخل الاقليمي عسكريا مازالت فرس جامح غير منهك القوى ، فالتحالف السعودي الاماراتي غير قادر حتى اليوم على احتواء جموحها الثوري وترويضه وفق الاجندة الخاصة به ،
فإذا كانت دول التحالف ( الامارات + السعودية ) قد استغلت الاختلال الكبير في العلاقة الطبيعية بينها وبين سلطة الشرعية والتي كان يجب ان تقوم في الاساس على مبدأ التدخل بهدف إستعادة سلطة الشرعية في المناطق المحررة وهو مالم يحدث في جُل المحافظات المحسوبه على الشرعية ، إذ سعت دول التحالف الى تكوين قوى مسلحة ضاربة خارجة عن سيطرت الشرعية وتملك سلطة القرار في الواقع ، مثل الحزام الامني في عدن والنخبة الشبوانية والحضرمية ، والتي تخضع لسلطة الامارات المطلقة واجندتها في السواحل اليمنية ، مقابل تحكم السعودية في مقاليد الجيش والمجاميع المسلحة في المناطق الشمالية وفي الجبهات المشتعلة على حدود المملكة ، إلا ان مثل هذا السيناريو قد فشل في تعز فلم تستطيع الامارات تنفيذ فكرة الحزام الامني كسلطة أمر واقع في تعز رغم محاولتها وعندما فشلت عملت على اختراق ساحل المخاء وربطة بالجبهة الجنوبية، كما لم تستطيع السعودية التحكم المطلق في مفاصل الجيش والسلطة في نفس المدينة ، زد على ذلك ان علاقة دول التحالف مع المكونات السياسية الفاعلة في تعز ليست على مايرام وقائمة على الشك والتوجس في ظل غياب البديل الذي يمكن التعويل عليه ضمن سياسة احجار على رقعة الشطرنج ، مع إن التعويل يبدو الان على حزب المؤتمر الشعبي الذي يتم اليوم محاولة استعادة زخمة بشكل قوي وبدعم من التحالف والشرعية ،
صحيح أستطاع التحالف ان يخلق جماعات مسلحة وعقائدية غير مؤمنة بفكرة الدولة الوطنية وبفكرة الثورة وخارجة في نفس الوقت عن سيطرت الجيش والسلطة المحلية ومدعومة بسخاء من قِبله الا انها تظل غير قادرة على تشكل سلطة امر واقع في تعز حتى سلطتها في بعض الاحياء سوف تتلاشا ، صحيح تستطيع ان تخلط الاوراق وتعقد المشهد لكنها لا تستطيع ان تحكم تعز ، فالمناخ غير مناسب ، فتعز تظل مدنية الهوى وثورية الطقوس ولن تُحكم الا بفكرة الدولة وسلطة النظام والقانون مهما عبث العابثون لبعض الوقت .
وتقول المعطيات سادسا ان كل المعطيات السابقة مجتمعة تجعل من هذه المدينة حتى اللحظة في نظر التحالف مدينة زئبقية يصعب الامساك بتلابيبها ، ومع هذه الصعوبة تحولت تعز الى حالة مقلقة بكون اهميتها الجيوسياسية وماردها الثوري خارج نطاق سيطرت التحالف مما يستوجب ضرورة تاخير معركة التحرير حتى يستطيع التحالف ان يجعل من الممتنع سهل في تعز وممكن الحدوث على الواقع .
وتقول المعطيات سابعاً ان تعز في ظل استمرار هذا الممتنع عن اجندة وسياسة دول التحالف يجب ان تبقى ساحة حرب تتعاقب بها تعز الثائرة اولاً وجبهات استنزاف للقوات الحوثية ثانيا ً،
وفي المقابل نجد سلطة الانقلاب هي الاخرى مستعدة ولنفس الاسباب الجيوساسية ان تدفع بثقلها العسكري والحربي الى تعز حتى تظل قادره على تطويق وحصار المدينة بهدف تحسين شروطها في أي مفاوضات او مباحثات سياسية قادمة .
وتقول المعطيات اخيراً ثمة من يقول ان عدم تحرير تعز راجعا الى سو الادارة العسكرية في المعركة وممارسة الفساد داخل الجيش ورغبة البعض في استثمار الحرب وكثيراً من الاشكاليات المتعلقة بالوضع العسكري والامني في تعز ، ومع ان ماذكر شيء من الحقيقة الا انه كان موجود في كثير من المحافظات ومع ذلك تحررت هذه المدن !
في تعز عدم التحرير هو قرار سياسي مرتبط بالمعطيات المذكورة سابقا بامتياز وإن بدا لنا غير ذلك .