د. محمد قحطان
منذ عام 2015 عندما أعلن الرئيس عبدربه بعد هروبه من صنعاء بسبب الأحداث التي تلت دخول الحوثيين إلى صنعاء واستيلائهم على مؤسسات الدولة وما رافق ذلك من التحالفات الإقليمية والدعم الدولي للشرعية التي اعتبر الرئيس عبدربه ماسكا بزمام أمرها عاصمة مؤقتة لدولة اليمن ، كانت التوقعات تشير إلى أن محافظة عدن ستستعيد مكانتها التاريخية والحضارية بالنسبة لليمن ومنطقة الجزيرة والخليج العربي لما تتمتع به من مقومات جيوسياسية وعراقة تاريخية بمقوماتها في الحكم والتنمية الاقتصادية وبالأخص ما كانت تمتاز به من مظاهر وجود المنشآت الكبيرة والهامة، التي يتصدرها : ميناء عدن، وحركة النقل الدولية منه وإليه وما يتزامن مع ذلك من أنشطة تجارية وسياحية نظرا لعراقة وجودة منشآتها التجارية والسياحية ذات الخصائص عالية الجودة بالإضافة إلى التراث السياسي والإداري في الحكم ومدنية سكانها وتنوع تشكيلاتهم الاجتماعية والمهنية المتميزة بالقدرة على التعايش واستيعاب متغيرات العصر. إلا أن كل تلك المقومات لم تفعل باتجاه إعادة عدن لصدارة قيادة التحولات بالاتجاه الصحيح لإعادة بناء الدولة العصرية وبالتالي القضاء على مظاهر الإهمال والخراب الذي طال عدن ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العريقة. وبدلا من ذلك فقد غرقت عدن بصراعات سياسية وعسكرية عقيمة وتجاذبتها مصالح التشكيلات السياسية والعسكرية التي تم تغذيتها بخلفيات لا تخدم المصلحة الوطنية للأسف بل لخدمة مصالح إقليمية ودولية. الأمر الذي شكل معاول هدم لما تبقى من المقومات الحضارية والسياسية والاقتصادية وبالتالي تدهورها وانهيارها بدلا من البناء عليها لاستعادة مكانة عدن التاريخية كعاصمة سياسية واقتصادية وتجمع سكاني من أقدم حاضرات المنطقة.
وكل ذلك قد أدى إلى تشتيت جهود نخب عدن بل وكافة النخب اليمنية التي ظلت ولا تزال تحمل هم بناء الدولة اليمنية التي يمكنها أن تعيد للإنسان اليمني القدرة على الحياة الطبيعية والكرامة الإنسانية واللحاق بركب التطور والحضارة الإنسانية التي تعيشها شعوب الأرض في عصرنا الحاضر وتسعى للمزيد من الاستمتاع بالخيرات المادية والتطور الحضاري والإنساني المفقود في اليمن. وذلك باتجاهات مختلفة وضياع بوصلة للارشاد الصحيح نحو مواجهة التدهور والانهيار.
ومع هذا الشتات وضبابية الرؤية أرى بضرورة تلمس السبل الكفيلة بضبط ايقاعات التفاعلات السياسية والاجتماعية وتحديد المسار الصحيح لتعافي مؤسسات عدن وذلك على النحو الآتي :
اولا : اليقين بأن عدن حاضرة سياسية واقتصادية واجتماعية تتصدر محافظات اليمن بل ويمكنها أن تتصدر عواصم كافة دول منطقة الجزيرة والخليج العربي.
ثانيا: العمل بكل الوسائل الممكنة لاستقرار مجلس القيادة الرئاسي وحكومته في العاصمة المؤقتة عدن . إذ أن ذلك مهما للغاية للأسباب التالية :
1 ) إعادة بناء منظومة مؤسسات الدولة من النواحي المعمارية والهيكلية الإدارية والتنظيمية لجهاز الدولة العصرية بفترة زمنية قصيرة نظرا للحاجة الملحة لذلك باعتبار ذلك شرطا أساسيا لتكوين واستقرار نظام الحكم مهما كان حجم ألدلة صغيرا أو كبيرا (( دولة واحدة لكل اليمن او دولة لمجموعة محافظات، كما يسعى إليه طلاب الانفصال )) .
2 ) إعادة بناء منظومة السلك الدبلوماسي الأجنبي. إذ أن استقرار السلطة الحاكمة في عدن يعني عودة السفارات والقنصليات الخاصة بكافة بلدان العالم والتي خرجت من اليمن بسبب الحرب إلى عدن ولا يخفى ما لذلك من أهمية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
3 ) عودة الاستثمارات الوطنية والأجنبية التي غادرت اليمن لانشطتها في اليمن . فوجود السلطة السياسية واستقرارها في عدن يعتبر عاملا مهما لجذب الاستثمارات وبداية للنهوض الاقتصادي.
4 ) التسريع بإعادة بناء البنية التحتية والخدمات العامة. فاستقرار السلطة السلسلة والإدارية في عدن مرتكز أساسي لذلك.
5 ) تمكين عدن من تحديث وتطوير شبكة الطرق والمنافذ البرية والبحرية والجوية والمواصلات بينها وبين كافة محافظات اليمن وكذا بينها والعالم الخارجي كونها العاصمة السياسية.
نخلص إلى القول بأن العمل على استقرار مجلس القيادة الرئاسي وحكومتة بصورة دائمة في العاصمة المؤقتة عدن هو العامل الأساسي لتعافي مؤسسات الدولة . وفي حالة عدم تحقق ذلك فلا أرى أي إمكانية لأن تخرج عدن من أوضاعها المأساوية التي لاشك تؤثر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعموم اليمن .
أ.د.محمد قحطان
19 ديسمبر 2023