تعز – مكين العوجري
لم تستسلم للواقع الذي فرض عليها رغم صغر سنها، فقد قررت العودة إلى شغفها الذي حرمت منه لسنوات، تحدت كافة الظروف وحطمت القيود التي تحيط بها من كل اتجاه وامسكت بخيط نورها الذي انتظرته كثيرا.
وداد واحدة من الفتيات اللواتي يتعرضن للزواج المبكر في اليمن فقد تزوجت وهي في الخامسة عشر من عمرها، ولم تكمل الصف التاسع، ولم تعي انها لن تنال ابسط حقوقها، خاصة انها انتقلت من قريتها في جبل صبر شرق تعز إلى صنعاء بعيدة عن اسرتها، وتضيف: “تعرضت لشتى انواع العنف من قبل الرجل الذي عشت معه أربع سنوات تجرعت خلالها الحرمان والحزن”.
لم تستطيع وداد أن تحبس دموعها ومشاعرها الباكية عندما كانت تشاهد اشقاء زوجها يذهبون للامتحان فكانت تبكي وبشدة فتقول لـ “صوت إنسان”: “تمنيت ان اكون مثلهم طالبة اذهب إلى المدرسة، فلم أترك كتاب لهم، الا وقرأته، والآن أحببتها أكثر بعد حرماني منها”، بإشارة منها للدراسة.
“ظللت أفكر بالتخلص من الذل والاهانة التي تعرضت لها، فانهارت العلاقة الأسرية، التي بالأساس لم تكن موجودة، وانفصلت وعدت إلى قريتي وقررت مواصلة تعليمي”، تقول وداد باسمة.
تصاعد
ويعد زواج القاصرات في اليمن من القضايا الاكثر انتشارا في السنوات الاخيرة والذي يتسبب في حرمان الفتيات من حقوقهن وخاصة فيما يتعلق بالتعليم، فبحسب تقرير لمكتب تنسيق الشئون الإنسانية “الاوتشا”، عن الاحتياجات الانسانية في اليمن للعام 2019م فقد تصاعدت معدلات زواج الأطفال، وارتفعت من 52 بالمائة للفتيات اليمنيات دون سن الثامنة عشرة المتزوجات في2016 م إلى ما يقرب 66 بالمائة في 2017 م، وتنامت الظاهرة في 2018م بمقدار ثلاثة اضعاف عن 2017م.
تحدي وارادة
تصدت وداد لكل مظاهر التطفيش والاحباط من قبل بعض المدرسين، فتقول: “كان بعض المعلمين يخبروني أنه لا فائدة من عودتي إلى المدرسة وان البقاء في المنزل هو الأنسب لي”، لكنها لم تلين لما تسمعه من المعلمين لترد عليهم بالتحدي والارادة قائلة: “قلت لهم ما فيش حاجة عندي أغلى من دراستي وبخلصها يعني بخلصها ولا يهمني شيء غير التعلم”.
لم تخضع لليأس، وترى ان الحياة فيها النجاح والفشل سيكون نجاح بالنسبة لها ان حصل، فكانت تقطع مسافة تستغرق 30 دقيقة للوصول إلى المدرسة، وواجهت مضايقات كثيرة من بعض نساء ورجال القرية، ولم تلتفت لأحد، عازمة على المضي نحو المستقبل ولا يمكنها التراجع إلى الوراء مهما حصل حد تعبيرها.
شغفها صنع منها امرأة قوية تختار مصيرها بنفسها دون أي وصاية، فقد نجحت الفتاة في تجاوز الكثير من اعمال المضايقات وأكملت تعليمها الثانوي، وترى وداد ان الافضل للفتيات ان لا يتزوجن الا بعد اكمالهن التعليم، وتضيف “انصح جميع البنات أن يكملن تعليمهن” مشيرة إلى ان كل من توقفت عن دراستها ستندم مع الايام.
ظروف معيشية
الاخصائية الاجتماعية وفاء الصلاحي تقول ان الزواج المبكر للفتيات يتكاثر نتيجة للظروف المعيشية والاجتماعية والحرب، وأصبح خيار تتخذه الأسر بسبب قلة الحيلة والإعالة.
وتشير الصلاحي إلى ان تزويج فتاة مبكرا أمر مؤلم، فهي لا تفهم سوى اللعب والذهاب إلى المدرسة، وغير مستعدة نفسيا وعقليا ولا تفهم الزواج وتبعاته، لافتة إلى ان من حق الفتاة ان تعيش مراحل عمرها وتدخل مرحلة الزواج وهي مستعدة.
مخاطر
واوضحت الصلاحي ان الزواج المبكر يحرم الفتاة من كل حقوقها وخاصة ذلك الذي يتعلق بالتعليم وتضيف: “الأثر النفسي عند الفتاة في حال انفصلت، فهو الإحباط والقلق والخوف من الزواج في المستقبل وقد يخلف لدى الفتاة غضب ونقمة على الأهل والمجتمع وما قد يتبع ذلك من تطرف في الآراء والمواقف، وتزداد هذه الآثار النفسية إذا لم تجد الفتاة من يسندها ويأخذ بيدها بعد هذه التجربة”.
وترى الصلاحي وجوب وجود قوانين تمنع الزواج المبكر والذي وصفته بنوع من الظلم الاجتماعي، وقيام منظمات المجتمع المدني بالتثقيف والتوعية في المجتمع بمخاطر واضرار الزواج المبكر للفتيات.
وتؤكد الصلاحي لـ “صوت إنسان” إلى أن الفتيات الناجيات من الزواج المبكر هن بحاجة إلى الدعم النفسي والتشجيع وأحيانا العلاج لتجاوز المرحلة والاستمرار في الحياة بقوة وتجاوز الجراح.
تدخلات إنسانية
وقالت سلوى العزاني منسقة برامج حماية المرأة بصندوق الامم المتحدة للسكان في اليمن ان الصندوق قام بتنفيذ عدد من التدخلات، كالتوعية بأهمية التعليم ومخاطر الزواج المبكر، وتقديم الدعم متعدد القطاعات للناجيات.
المادة نشرت في 2020 في منصة صوت انسان