فهمي محمد
إذا كانت معركة التغيير في اليمن لا تعني سوى أن تتحول اليمن إلى وطن ودولة لليمنيين جميعاً، فإن معركة التغيير نفسها سوف تكون أكثر نجاعة ووعياً بجذر المشكلة اليمنية عندما تدرك الأحزاب السياسية في اليمن بشكل خاص أن معادلة الصراع السياسي في تاريخ اليمن الحديث تتشكل منذ ثورة الـ26 من سبتمبر وحتى انقلاب الـ21 من سبتمبر على شاكلة صراع وجود بين العقل السياسي الحزبي الطامح في حكم مستقبل اليمن والعقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن، وأن هذا الأخير يظل قادراً على ضرب فرص التغيير السياسي والاجتماعي مع كل ثورة دون أن تعي النخب السياسية الحزبية جذر المشكلة في اليمن.
إذا كانت الأحزاب السياسية التي تشكل مكونات العقل السياسي الحزبي تتصارع بينها “البعض ضد البعض” في حلقة مفرغة تجعل الكل خارج السلطة في نهاية المعركة، فإن السلطة مع هكذا صراع تصبح دائما هي كعكة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن (القبيلة السياسية والجهوية والمناطقية والسلالية المذهبية)، هكذا ذهبت السلطة بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967 وهكذا ذهبت بعد اغتيال الحمدي وهكذا ذهبت بعد حرب 94 وهكذا ذهبت بعد الانقلاب على ثورة 11 فبراير!
على سبيل المثال، الحزب الاشتراكي اليمني حكم واليوم خارج السلطة، المؤتمر الشعبي العام حكم واليوم خارج السلطة، الإصلاح حكم واليوم خارج السلطة، الناصري حكم في تجربة الحمدي واليوم خارج السلطة، البعث حكم بل كان أغلبية في تنظيم الضباط الأحرار واليوم خارج السلطة، أي أن العقل السياسي الحزبي أصبح اليوم خارج نطاق السلطة بكل مكوناته، الأمر الذي جعل السلطة في اليمن قادرة على ابتلاع الدولة كفكرة سياسية وطنية تتجاوز سلطة العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن ما يعني أن الأحزاب الصراعية في اليمن تساهم في هذا الابتلاع بشكل أو بآخر
ومع أن العقل السياسي الحزبي هو الفكر السياسي للدولة الوطنية الديمقراطية (الدولة المدنية) إلا أن مسألة الانتصار لسلطة هذا الفكر السياسي في ظل هذه الخصوصية اليمنية “على المستوى السياسي والاجتماعي” تبدأ من النقطة التي تعي فيها الأحزاب السياسية أنها معنية نضالياً في مسألة الانتصار الوطني لسلطة العقل السياسي الحزبي بشكل عام على حساب العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن وليس في الانتصار لسلطة الحزب على حساب مصادرة الوجود السياسي للأحزاب السياسية الأخرى من داخل فضاء المجال السياسي العام.
ما يجب أن تدركه الأحزاب السياسية أننا اليوم في معركة استدعاء الدولة المفقودة، ناهيك عن تأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية ولسنا في معركة انتخابية بين الأحزاب السياسية في ظل وجود الدولة الوطنية الديمقراطية حتى يكون التنافس على حساب البعض.
فالأحزاب السياسية في مرحلة التأسيس أو في معركة النضال من أجل الدولة وحدها المعنية على المستوى الوطني بأن تكون هي الحامل السياسي لمشروع الدولة المدنية الحديثة “كفكرة سياسية” والعقل السياسي الحزبي هو فكرها السياسي، بل هو محدد فلسفتها السياسية في العصر الحديث وليس العقل السياسي الحاكم تاريخياً في اليمن الذي يجب أن يصادر بكفاح الأحزاب السياسية من داخل المجال السياسي العام في اليمن.
يكفي أن نقف اليوم على أطلال تاريخ الصراع السياسي وحتى على حاضره المكثف بين الأحزاب السياسية منذ ثورة سبتمبر وأكتوبر وحتى اليوم، ثم نتساءل بعد ثلاث ثورات ووحدة في اليمن عن من يحكم هذا البلد المتعثر على الدوام في طريقه نحو المستقبل؟
العقل السياسي الحزبي أم العقل السياسي التاريخي؟
السلطة أم الدولة؟
الماضي أم المستقبل؟
الفكرة الوطنية الجامعة أم الهويات الجزئية؟
أسئلة لا تستدعي الإجابة عنها لأن الإجابة في هكذا واقع يعيشه اليمنيون اليوم أصبحت في حكم المعلوم لدى الجميع بالضرورة، لكنها أسئلة تضع علامة استفهام مكثفة أمام عبارة… وعي النخب الحزبية التي خاضت معركة التغيير السياسي والاجتماعي في اليمن منذ ثورة سبتمبر وحتى اليوم وعلى وجه التحديد في شمال اليمن أكثر من جنوبه.