وسام محمد
ملف حصار تعز لا يتعلق بأحد الطرق. تعز محاصرة من جهة الجنوب بإغلاق خط الراهدة لحج. ومن جهة الشرق بإغلاق كافة الطرق التي تربط بين وسط المدينة والاحياء الشرقية ومحافظة اب. ومن جهة الشمال جميع الطرق مغلقة وريف شرعب مفصول عن المدينة. ومن جهة الغرب تعز مفصولة عن ميناء المخا وهو المتنفس البحري الوحيد.
لدى تعز شريان واحد وهو طريق هيجة العبد التي تربط تعز من جهة الجنوب بمحافظتي لحج وعدن. وهي طريق اصبحت جدا متهالكة وبعيدة وكل السلع تأتي عبرها. وهناك طرق فرعية تمر عبر صبر وسامع لكنها شديدة الوعورة وكل يوم تخلف عدد من الضحايا.
ما الذي سيفعله الحوثي لانهاء حصار تعز لو استجاب للضغوط؟ سيفتح احد الطرق؟ لن يكون هذا بمثابة انهاء فعلي للحصار. لهذا أعتقد ان حصار تعز لا يمكن ان ينتهي بناء على مشاورات الأردن. حتى لو جرى تجديد الهدنة. لعدة اعتبارات متعلقة بالواقع القائم وبالأطراف المختلفة.
بالنسبة لجماعة الحوثي فإن انهاء حصار تعز سيعني ان المحافظة التي تمتلك اكبر كتلة سكانية، سوف تعود وتتوحد من جديد، الأمر الذي سيجعلها قادرة على استعادة تأثيرها وابتكار اساليب نضالية جديدة في المقاومة. هذه الاساليب متعذرة اليوم بسبب تشرذم المحافظة وانقسامها وشل قدرتها بفعل الحصار.
إلى جانب ان الحصار يجعل الحوثي متفردا في تحصيل ضرائب المصانع، وهي أكبر مصدر للايرادات في تعز، وفي المقابل معاقبة السكان وانهاكهم، سواء من بارتفاع اسعار السلع الاساسية نظرا لارتفاع كلفة نقلها أو من خلال اهدار اوقاتهم وطاقاتهم في الطرقات البديلة. وهذا يحقق للحوثي رغبته في الانتقام من تعز التي قاومت مشروعه وايضا انهاك سكانها وشل قدرتهم على الفعل.
الحصار ايضا، يضمن بقاء الصراعات بين الاطراف المناوئة للحوثي. هناك مصالح بسيطة ومخاوف كثيرة واشتسراس ضمني ومعلن ويمكن تأجيجه بسهولة، لمنع أي تحول في البنية السياسية والعسكرية للمدينة.
يتعزز هذا الوضع بالنظر الى طبيعة القوى العسكرية المهيمنة في تعز. فهي خاضعة لتوجهات حزب الاصلاح الذي لم يعد يعتبر نفسه معنيا بمواصلة الحرب كردة فعل لسياسة التحالف اتجاهه. ويزداد الأمر تعقيدا مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي جاء على حساب حصة الاصلاح في السلطة.
وهذا الأخير (مجلس القيادة الرئاسي) يتمسك بالتسوية السلمية وكأنه غير مدرك او لا يعرف طبيعة الحوثي وطبيعة مشروعه. لكن هذا النهج يعني انه “مغتربين” عادوا لتنفيذ مشاريع استثمارية لصالح ممول خارجي وبناء على شروطه. تماما كما هو حال المنظمات غير الحكومية. فلا يوجد استعداد من أي نوع او حتى نوايا لكسر الحصار عسكريا ومواصلة معركة التحرير. ولا نعرف من اين يمكن لمجلس القيادة الرئاسي ان يستمد شرعيته وهو يحرص على ان يبدو كمجلس سلامي. في الوقت الحالي هناك شرعية ضئيلة مكتسبة من فشل هادي. لكن مع مرور الوقت لن يكون هناك شرعية لهذا المجلس ما لم يتصدى للمهام الرئيسي والمتمثل بخوض معركة التحرير والانتصار فيها واستعادة الجمهورية.
بالنسبة للقوى السياسية المحلية، فقد انسحبت من المشهد بشكل مبكر واصبحت تتبنى بشكل معلن وضمني حديث السلام مع الحوثي لكن دون ان يخبرونا كيف يمكن لذلك ان يتحقق.
ايضا في تعز بعض القوى العسكرية تخضع لحمود المخلافي المدعوم من دولتي قطر وعمان. ومعروف موقف الدولتين من القضية اليمنية وكيف انها منحازة للحوثي.
هناك فرصة وحيدة تلوح في الأفق. هذا الغضب الشعبي المتنامي بعد تسهيل حركة دخول السلع الى ميناء الحديدة وتشغيل الرحلات الى مطار صنعاء ووقف طيران التحالف غاراته ضد مسلحي الحوثي. جعل الناس تستشعر المعايير المزدوجة التي تتبعها المنظمات الأممية عند تعاملها مع ملف الحصار في تعز. هذا الغضب المتنامي من الممكن ان تتمخض عنه حركات احتجاجية مغامرة. مثلا تنظيم مسيرات شعبية والمرور من الطرق المغلقة وتحمل أي كلفة. واذا لم يحدث هذا، فإن شعور الناس بخيبة الأمل سيجعلهم يفكرون على المدى الطويل ببناء حركة شعبية لمواجهة الوضع القائم باللغة الوحيدة المفهومة: السلاح.
وهذه هي الفائدة والوحيدة التي يمكن الخروج بها: الفهم والعمل بنفس طويل. أي التوقف عن التعويل على المشاورات ونبذ لغة الاستجداء.
لأن المؤكد هو ان حصار تعز لن ينتهي عما قريب. واذا اضطر الحوثي أن يفتح أحد الطرق فستكون خاضعة لإجراءات معقدة وسنشهد انتهاكات شتى بحق السكان الذين يمرون منها، ربما بشكل مضاعف عما يحدث اليوم في الطرق الفرعية البديلة. وعلى نحو يعيد التذكير بمعبر الدحي.