فهمي محمد
لا تكمن خطورة الحركة الحوثية في انقلابها السياسي على مخرجات الحوار الوطني الشامل وعلى دستور الدولة الاتحادية في اليمن ، ولا في إقدامها على اغتيال الفرصة التاريخية التي بدت سانحة أمام اليمنيين ، ولا حتى في الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وزرعها لمئات الألاف من الألغام تحت أقدام اليمنيين في حرب حولت اليمن إلى مسرح عسكري في معادلة صراع تعمل على إعادة هندسة الخارطة السياسية في اليمن على أساس مصالح دول الإقليم ،
كل ما يحدث برغم مألاته الكارثية على مستقبل اليمنيين ، إلا أن ما هو أكثر خطورة في مشروع الحركة الحوثية يكمن في إقدامها المكثف على أدلجة الوعي المجتمعي على أساس طائفي ومذهبي ، الأمر الذي يعني في حساباتها السياسية ضرورة العمل على شحن المجال الإجتماعي بقيم وجدانية وأفكار ومعتقدات صراعيه انقسامية ممانعة للأسس التي تولد الفكرة الوطنية الجامعة سياسياً لليمنيين .
إذا كان الوعي بالفكرة الوطنية أو بالمشروع الوطني الجامع للمكون الإنساني في أي بلد هو في الأساس نتاج إيجابي لتراكم الوعي المجتمعي أو أنه انعكاساً له فيما يتعلق بالتفكير في المسألة السياسية، فإن نجاعة هذا التراكم في الوعي يظل هو الآخر نتيجة من نتائج تحقق مسألة الاندماج الاجتماعي الذي ينقل أي مجتمع في حالة حدوثه إلى مفهوم الشعب ، لا سيما وأن مثل هذه التحولات الإجتماعية التي تجعل من أي مجتمع شعب لا تعني سوى أن الأفراد قد تجاوزوا ثقافياً وسياسياً مفاعيل القيم أو الافكار أو المعتقدات العصبوية/ التقليدية/ التي تؤسس لِنظام معرفي يعيق حركة التقدم والتحديث السياسي والديمقراطي.
وجود الشعب بالمفهوم السياسي المشار إليه يظل على الدوام نابذاً لأي نظام سياسي عصبوي أو مذهبي ناهيك عن كونه يرفض أن تتأسس السلطة الحاكمة فيه على عصبية الولاء للفرد أو القبيلة أو السلالة أو المذهب ، وحتى في حال أن فرض عليه مثل هذا يظل الوجدان الشعبي رافضاً ومقاوماً ما يعني أن طموحات الشعب بالمفهوم السياسي الحديث وحتى تطلعاته المستقبلية ترتقي دائما إلى مستوى الفكرة الوطنية الجامعة أو المشروع الوطني الديمقراطي وعلى هذا الأساس تدرك الحركة الحوثية ضرورة العمل على أدلجة الوعي المجتمعي بقيم ولائية مذهبية تقليدية ماضوية لأهداف سياسية سلالية في المناطق الخاضعة لسيطرتها ، وهو ما تعمل عليه بالتوازي مع معركتها العسكرية في اليمن.
فإذا كانت الحرب في اليمن ، سوف تنتهي طال الزمن أو قصر ، وحتى في حال انتهائها على أساس تسوية سياسية تلبي مصالح القوى المسيطرة عسكرياً في الواقع وهذا السيناريو هو الأقرب في الحدوث ، إلا أن مسألة الحفاظ على هذه المعادلة ، أو بقاء الحركة الحوثية حاكمة بالشراكة أو بالانفراد سيظل على المدى المنظور محكوم بحقيقة وجود الشعب السياسي الحديث من عدمة في يمن ما بعد الحرب ،
لهذا تعمل الحركة الحوثية وأي حركة دينية أصولية على إعاقة صيرورة التحولات المجتمعية المدنية ، التي تجعل من كل المكونات الاجتماعية تذوب في شعب سياسي حديث ، لاسيما وأن خطورة هذا الأخير على مستقبل مثل هذه الحركات الدينية تكمن في كون الشعب السياسي لن يملكها السلطة والثروة ={ الخُمس} باسم الله أو الدين.
الشعب السياسي لا يوقع للحاكم على بياض في معترك السياسة والحكم ، وهذا بحد ذاته يجعل كل المكونات الدينية التي تقاتل على السلطة في حالة خصام مع السياسة كفكرة مدنية بشرية ، الأمر الذي يدفعها دائماً إلى تأسيس شرعية حكمها على أفكار ومعتقدات ومخايل وجدانية سياسية يتم اعتباطها عبثاً من خارج حقل السياسة ، وهذا ما تسعى إليه الحركة الحوثية من وراء أدلجة الوعي المجتمعي عن طريق تأصيل قيم وأفكار ومعتقدات دينية مذهبية ولائية داخل المجال الإجتماعي ، كما أن إقدامها على وضع شقيق عبد الملك الحوثي على رأس مؤسسة التربية والتعليم ، وتغبير المنهج الدراسي يأتي في صلب عملية الأدلجة الدينية المذهبية التي تستهدف وعي الناشئين من الطلاب لأهداف سياسية تأتي في مقدمتها إزاحة القيم الوطنية التي تخلفت من بعد ثورة سبتمبر ، وكذلك إعاقة صيرورة الشعب بالمفهوم السياسي الذي يعطي لكل مواطن الحق في أن يكون حاكماً لليمن عن طريق الاقتراع الشعبي.
على سبيل المثال فقط ، هل يستطيع عبد الملك الحوثي أن يظل حاكماً سياسياً ، وفي نفس الوقت محاطاً بالقداسة الدينية التي تترجمها مقولة = { سيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين } ما لم يتم أدلجة وعي الناس ، وتخدير البسطاء منهم بحديث الولاية للإمام علي وأحياء ذكرى يوم الغدير، ومظلومية آل البيت، وذكرى مقتل الحسين بن علي والحديث عن أعلام الهدى وفضلهم على الناس وتحويل مذهب الإمام زيد إبن علي ، إلى عقيدة سياسية وتحويل آل البيت وعترتهم إلى سلالة سياسية خلقت للحكم من دون الناس في هذه الأرض؟!