فهمي محمد
مما لاشك فيه أن الدولة التي نحلم بحضورها جميعاً سواءً على المستوى الوطني أو المستوى المحلي، سوف يستحيل بنائها ، أو أن يتحقق وجودها المادي والمعنوي في الواقع السياسي والإجتماعي بدون وجود رجال دولة يتقلدون ابتداءً مفاصل السلطة العامة ومؤسساتها ، لاسيما عندما يخوض المجتمع السياسي معركة بناء الدولة أو يكافح من أجل استعادة مؤسساتها كما هو الحال في مدينة تعز .
فالدولة المؤسساتية كما يقول الفيلسوف بردو ={ هي فكرة تُدرك بالفكر } والفكر الذي يَدرك الدولة – كفكرة يجب أن تتجسد في واقع الناس – لا يعنى سوى وجود حالة من الوعي السياسي والإجتماعي لدى الحكام والوزراء والنواب والمحافظين والوكلاء ومدراء العموم والقادة العسكريين بمفهوم الدولة ككيان سياسي وقانوني ناظم للحاكم نفسه قَبل أن يكون ناظم للمحكوم ، لأن الأول أكثر قدرة على ممارسة الفساد والسطو على المال العام ، هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الفكر المقصود سابقاً يعنى ضرورة أن يتحول الوعي السياسي والإجتماعي لهولاء السلطويين إلى سلوك / سياسي / إداري / مؤسسي/ بالمعنى الذي يحول الدولة التي تدرك بالفكر أو من حضورها السياسي والقانوني إلى كيان وطني يتجاوز مفهوم السلطة بكل أشكالها وأبعادها الشخصية الارتجالية ، أو الحزبية ، وحتى المناطقية ، لذا يقال في وصف البعض النادر من السياسيين أو من كبار المسؤولين في السلطة ، فلان رجل دولة / فلان رجل وطني/ وهؤلاء نادري الوجود في اليمن ومعدومين في تعز اليوم ، والحديث يتعلق بحق من يشغلون الآن مواقع المسؤولية في أجهزة السلطة ، لكن المجتمع لديه الكثير ممن يعول عليهم .
يعرف المختصون والدارسون في تاريخ الفكر السياسي أن السلطة وجدت تاريخياً من أجل أن تحكم جموح الأفراد وتوفر الحمايه لهم من جور بعضهم ، لكن إختراع فكرة الدولة نظرياً في العصر الحديث كان من أجل مواجهة سوء استخدم السلطة من قبل الحكام أنفسهم تجاه شعوبهم ، ما يعني أن الإنتصار لفكرة الدولة على حساب السلطة في تعز يتطلب عمليا / وابتداءً / وجود رجال دولة يتم الدفع بهم إلى مواقع السلطة فهل تم ذلك ؟؟؟
أقل ما يقال عن رجل الدولة أنه موظف عام يستشعر دائماً = { وجدانيته الوطنية} في كل قراراته أنه محاط بكيان سياسي وقانوني ={ الدولة التي يجب أن يجسد حضورها حتى وإن كانت غائبة } وأنه مع هذه الإحاطة قد أصبح مجرد موظف عام في خدمة المجتمع وليس حاكم يسلب أرزاقهم أو يضاعف معاناتهم بقرارات جزافيه ، كما هو حال محضر الإتفاق بين الوكيل عارف جامل وقيادة محور تعز العسكري ، وهو المحضر الذي حمل المواطنين أعباء فوق معاناتهم التي أصبحت لا تطاق ولا تحتمل ناهيك عن كون ماورد في محضر الإتفاق يؤكد من منظور سياسي بأن الموقعين على المحضر عسكرين ومدنيين ليسُوا رجال دولة ، بل حكام سلطة لديهم عقلية سلطوية تعود إلى عصر ما قبل الدولة .