عبدالقادر الجنيد
٨ مايو ٢٠٢١
من الذي يريد الحرب؟
من الذي يريد السلام؟
من يتلاعب بالمُثُلْ الأخلاقية العليا؟
من الذي يتلاعب بنا بإسم المثل الأخلاقية العليا؟
**
أولا: هذه مُثُلْ أخلاقية عليا
**
العدالة- المساواة- السلام- الحقوق- سيادة القانون- الدين- المقاومة- التصدي للطغيان والعدوان والاستغلال- الحرية- الاستقلال- العَمَلْ- العِلْمْ..
هذه كلها مُثُلْ عليا.
والقائمة طويلة وكلها بديهية ولا أحد يتجرأ أن يختلف عليها.
وقد تكون هناك تناقضات حادة بين هذه المُثُل- في فترات معينة في أماكن معينة في مجتمعات معينة- بسبب زيادة التشنج والتوتر والتطرف بين فئات معينة، مثل التناقض بين “العلم” و”الدين” ولكن هذه أشياء يتم التعامل باستعمال العقل ودور الدولة.
وهذا التناقض بين المُثل ليس حصريا على المجتمعات الفقيرة والغير متقدمة، ولكنه يحدث حتى في أمريكا.
المثال على هذا- على سبيل المثال وليس حصريا- هو ما يحدث من مقاومة بعض المتدينين المتزمتين لاستعمال اللقاح ضد ڤيروس كورونا، تحت مزاعم دينية مَلْوِيَّة معووجة من أن المرض من عند الله والشفاء من عند الله وأن المخلوقات لا يجب أن تتدخل بإرادة الله.
هذا يحدث الآن في أمريكا وهناك خوف من أن هذه المعتقدات، قد تُفشل جهود الحكومة الأمريكية في الوصول إلى “مناعة القطيع” التي يحصل عليها المجتمع بعد ما يكون أكثر من ٧٠٪ من السكان قد أصيبوا أو تلقحوا واكتسبوا المناعة.
وهنا يتدخل “العقل”، ليتعامل مع هذا الوضع ليبين أن التلقيح ضروري، بكل ما يقوله ويعمله الأطباء والعلماء على مدار الساعة في كل وسائل الإعلام وطرق التأثير على الرأي العام.
وهنا تتدخل “الدولة”، ويتدخل حتى الرئيس بايدن للتأثير لتجاوز تأثير هذا الفهم الخاطئ للدين.
ولكن مساحة التلاعب بهذه المُثل الأخلاقية، كبيرة.
وقدرة أصحاب الأغراض والمصالح الشخصية والفئوية على تطويع هذه المُثُل للتحكم بالآخرين، كبيرة.
وقابلية الناس العاديين الطيبين للإغواء والإغراء والاستغفال والاستعمال من قبل أصحاب المصلحة، كبيرة.
**
ثانيا: السلاميون
**
السلاميون ( Peaceniks)
هذا تعبير شائع في العالم، وهو يناهضون الحرب مهما كان السبب ويتظاهرون بحشود كبيرة ضد الحرب في كل مكان- في دول العالم الغربي فقط- ولهم شعبية، ويجمعون تبرعات ضخمة، وعندهم مراكز تفكير ودراسات وحاضنة كبرى بين الأكاديميين في الجامعات
ولكن…
هل تعرفون أن “مجموعة الأزمات الدولية”، في واشنطن، هو أصلا مركز دراسات وتفكير – Think Tank- لمناهضة الحروب في كل مكان في العالم.
وقد أسسه الحزب الديموقراطي الأمريكي.
وهو مركز “سلامي”، يتبنى إحلال السلام في اليمن على أي حال حتى لو كان هذا سيكافئ الحوثي على استعمال العنف، الذي هم أصلاً ضده.
يتبنون إحلال السلام في اليمن، باستعمال تأثير وضغوط الحكومة الأمريكية، حتى لو كان معنى هذا سيطرة الحوثيين على ما تحت أيديهم من أراضي، وشرذمة اليمن إلى خمسة كانتونات، تخضع للتكوينات المسلحة السائدة في مناطقها.
نعم، هؤلاء هم من ابتكر مصطلح “الخمسة كانتونات”.
وهؤلاء، هم لهم أكبر تأثير داخل وزارة الخارجية الأمريكية.
رئيس مجموعة الأزمات الدولية، هو “روبرت مالي” – Robert Maley- وهو الذي يقود الوفد الأمريكي في المفاوضات أمام إيران- حاليا- في ڤيينا ومعه منصب رسمي من الرئيس بايدن، وهو مبعوث أمريكا الخاص بشأن إيران.
ومثلهم “مؤسسة بيرجهوف الألمانية”، في برلين، ومعهم تبرعات ضخمة ودعم من الحكومة الألمانية والإتحاد الأوروبي.
هؤلاء، كلهم “سلاميون”، ومعهم يمنيون داخل اليمن يصرفون عليهم ويشغلونهم للترويج لفكرة السلام على أي حال، التي في جوهرها هي إخضاع أي نوع من المقاومة السلمية ضد من يملك أدوات العنف وضد من عنده مهارة في استعمال أدوات العنف وضد من يثبت مصالحه الشخصية ومكاسبه المادية بالعنف.
**
ثالثا: أنا والسلام
**
في ١٩٩٤، أنا أسست “لجنة ١٨ يناير لدعم وثيقة العهد والسلام”.
وعملنا حركة “سلمية”- peaceful- كبيرة للغاية.
كانت نذر الحرب واضحة للعيان.
الرئيس “صالح”، تبين أنه يستطيع إزاحة نائب الرئيس “البيض” في دولة الوحدة والقضاء على الحزب الاشتراكي، بشن الحرب.
نحن- الأغلبية الصامتة- كنا نشعر بأننا لأول مرة في التاريخ نستطيع أن نستنشق الهواء بحرية ونقول ما نريد في الفترة بين ١٩٩٠ و ١٩٩٤.
أنا كتبت- بخط يدي- بيان أو “مانيفستو” تأسيس اللجنة على ورقة وصفة طبية “روشتة” وأنا أعاين المرضى في عيادة خارجية، وقلت: “نحن لا نريد الحرب”، و “لا نريد أن يقضي حزب المؤتمر على الاشتراكي ولا الاشتراكي على المؤتمر، لأننا إنما ننعم بالحرية والاعتزاز بأنفسنا بسبب وجودهما معا.”
وقلنا: “وثيقة العهد والإتفاق، كتبها كل اليمنيين وهي ‘عقد اجتماعي’ يمكن أن يصحح مسار الوحدة ويمكن أن يحقق الاستقرار لليمن.”
يعني- في الأساس- أنا: سِلمي.
لكن أنا مع السلام للجميع وتحت سيادة القانون.
قامت الحرب.
انتصر الرئيس صالح وطَرَدَ الرئيس البيض وأصيب الحزب الاشتراكي بكسور وعاهات لم يقم منها حتى الآن.
تطرف الرئيس صالح، زاد بنشوة انتصاره على رفيقه في تحقيق الوحدة الرئيس البيض وزادت معه أحلامه وأوهامه بإمكانية إرساء دولة جمهورية ملكية.
وتولدت كراهية الاشتراكيين للرئيس صالح التي لن تنمحي ولن تزول.
رجاء، لا تقللوا من أهمية دور الكراهية والحقد في أي مجتمع.
وجبر الخاطر، لا يأتي على سهل.
الولايات الجنوبية الأمريكية، مازالت تحقد على الولايات الشمالية منذ ٢٠٠ سنة وحتى الآن.
أنا- تحيزت بصورة واضحة- مع الرئيس البيض ومع الحزب الاشتراكي، بالرغم من أني كنت ممتعضا جدا من تجربتهم أثناء حكمهم لبلادنا اليمن في الجنوب.
أنا مع الوحدة اليمنية، ولا يوجد مجال لتغييري في هذا الموضوع.
لكن وحدة، تحت سيادة القانون وتحت ظل عقد اجتماعي ودستور.
الوحدة اليمنية، ليست مسألة عاطفية فقط، ولكنها مهمة لاستقرار اليمن في الشمال أو الجنوب.
لن تتحقق الوحدة “السليمة” والاستقرار إلا بعقد اجتماعي يمنع سيطرة أصحاب المشاريع الصغيرة سواء في الشمال أو في الشرق أو في الغرب أو في الوسط أو في الجنوب، سواء كانت العائلية أو القبلية أو القروية أو المناطقية أو الطائفية أو السلالية أو الحزبية.
الرئيس صالح، كان يُوصِّف نفسه على أنه وسطي ومعتدل.
في الحقيقة، هو كان يلعب بالمُثُلْ العليا، حسب الحاجة وحسب المكان والزمان، وقبل كل شيئ حسب المصلحة.
في الحقيقة الرئيس صالح، كان راديكاليا متطرفا بشأن مصلحته ومصلحة أبناءه ومصلحة أسرته، ومرنا للغاية وحسب الحاجة والطلب في كل أنواع المُثُلْ الأخلاقية العليا.
راديكالية وتطرف صالح “العائلية”، ولَّدت راديكاليات مضادة متطرفة أشكال وألوان بطول البلاد وعرضها، وصلت إلى أعلى قممها بتوليد “الحركة الحوثية”، أكبر حركة راديكالية متطرفة عنيفة في كل تاريخ اليمن.
راديكالية وتطرف الحوثي “الشخصية” و “العائلية” و “السلالية”، شَجَّتْ رأس الرئيس صالح وقتلته وأنهت معها راديكالية الرئيس صالح “العائلية” إلى الأبد.
“السلاميون- دعاة السلام الحاليون، محليون وأجانب- يطلبون إفساح المجال لراديكالية الحوثي ليتحكم باليمن عدة عقود من الزمان حتى تتكون راديكالية جديدة مشحونة بالرفض والحقد على الحوثية والحوثيين للتخلص منهم كلهم وندخل في حرب أهلية جديدة، بعد مدة من الزمان.
وحدة اليمن، مهمة
استقرار اليمن، مهم
ولكن هذا لن يتم إلا ب “عقد اجتماعي” و “دستور” وبحماية جيش يمني “حقيقي” من كل أنحاء اليمن.
وحدة اليمن والاستقرار والسلام، لن نحصل عليها بالانفصال ولا بالراديكالية الحوثية ولا بمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن ولا بمؤسسة بيرجهوف في ألمانيا ولا بأقوال السلاميين- peaceniks- ، ولا بجمال بنعمر وجريفثس وليدركنج.
**
رابعا: السلاميون، ضارون
**
السلاميون، في اليمن، أشكال وألوان.
منهم الطيبون الغاوون، ومنهم الباحثون عن أدوار، ومنهم من يرتزقون، ومنهم الذين هُنَّ وهُمْ حوثيون حتى النخاع من رحِم الحركة الحوثية وفي وسطها ويتنكرون بأنهم سلاميون.
وكلهم ضارون.
أنا سأقتصر في كلامي هنا على السلاميين الطيبين.
حتى السلاميون الطيبون، ضارون
*
١- هم يلعبون ويتلاعبون بكلمة ممتازة- وهي “السلام”- مثل ما يلعب الحوثيون والقاعدة وداعش بكلمة ممتازة أخرى من عالم المُثُل الأخلاقية العليا، وهي “الدين”.
٢- نحن، بالرغم من ضعفنا ومظلوميتنا، اخترنا “المقاومة” من بين المُثُل الأخلاقية العليا، حتى لو قدمنا التضحيات.
السلاميون “الطيبون”، بالرغم من أنهم أيضا مظاليم، اختاروا “الاستسلام” كنوع من الأخلاق العليا، ووصَّفوه على أنه “السلام” لأنه يعفي ويُنجي من التضحيات.
٤- يتماهى السلاميون- بقدرة قادر وعمليا- مع تحقيق مصالح ومكاسب للحوثيين.
لا يوجد سلامي، إلا وهو يخدم- عمليا- مصلحة الحوثي.
عندما تطلب تثبيت وضع قائم يوجد بداخله شخص قوي عنيف مسيطر في جهة وفي الجهة الأخرى جانب مغلوب على أمره بإسم السلام، فإنما أنت تُزكي وتدعم الحوثي العنيف الباغي القوي المسيطر.
٥- عندما يَخلق ويَصنع جريفثس وبيرجهوف والأزمات ما يسمى بالسلاميين اليمنيين.
يتم خلق سلاميين يمنيين من قبل هؤلاء الممولين الأجانب الدوليين ، ويدعونهم للندوات والسفريات والمكافآت ويبنون لهم مراكز دراسات محلية، ويوفرون لهم مقاعد بحثية دراسية في مراكز تفكيرهم وأكاديمياتهم ويشتركون معهم بدراسات ميدانية.. ثم يطلقون أعنتهم ويفكون أربطتهم ويطلقونهم علينا.
٦- نحن سلميون ولسنا سلاميون
في نفس يوم اختطافي وفي الليل وأثناء أول استجواب من المحقق الحوثي وأنا مقيد الكفين إلى ظهري في الخلفي ووجهي إلى للجدار وقناع قماشي أسود يغطي عيناي الاثنتين، الذي استغرق خمس ساعات وأنا على هذا الحال، سألني المحقق:
“هل عندك سلاح في البيت؟”
“لا. أنا لا أعرف حتى كيف أعمر المسدس بطلقات الرصاص.”، هكذا أجبته.
فرد علي المحقق:
“نعم. ولكن كلماتك أقوى من طلقات الرصاص.”
الكلمة، تخيفهم.
نحن السلميون- وحدنا- وليس معنا إلا كلماتنا.
نحن السلميون، ضد الحرب وضد العنف وضد السيطرة الحوثية وضد الاستقواء بالأجنبي وضد التمويل الأجنبي.
نحن السلميون، نؤيد المقاومة ونوافق على تقديم التضحية.
نحن السلميون، وكأنه لا يكفينا ما نتعرض له من الحوثيين فإنه ينبري علينا ويقلل من قدرنا وشأننا “السلاميون”.
٧- بكل أسف وبكل مرارة، نقول بأن هؤلاء “السلاميون”، يتم استعمالهم ضدنا نحن “السلميون”، من قبل الحوثيين ومن قبل “السلاميين” الأجانب.
وكلما طالت الحرب، ستظهر لنا أشياء وأشياء.
عبدالقادر الجنيد
٨ مايو ٢٠٢١