د.ياسين سعيد نعمان
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي “بايدن” في وزارة الخارجية يوم أمس الأول حظي موضوع وقف الحرب في اليمن باهتمام كبير.
لقد كان تسليط الضوء على هذه المسألة محط إهتمام يمني وإقليمي ودولي.
وبغض النظر عما حواه الخطاب بشأن وقف الحرب من موقف غلب عليه الاستعراض السياسي للبرنامج الانتخابي للرئيس بايدن، إلا أن إثارة الموضوع بذلك المستوى من الأهمية بين قضايا العالم، كان مؤشراً على ما تبديه الادارة الأمريكية الجديدة من قلق بشأن الوضع الأمني في منطقة تعد ذات قيمة استراتيجية بالنسبة لأمن ومصالح أمريكا، وكان من الطبيعي أن تكون مسألة الحرب في خطابه بمثابة قضية جامعة وقاسماً مشتركاً ليجعل من دعوته لوقف الحرب في اليمن مدخلاً لتحريك كل الملفات الساخنة، بما في ذلك الإتفاق النووي الايراني، إضافة إلى ما سيرتبه ذلك من تأثير في تحريك عملية السلام بديناميات إضافية، وإعادة القضية السياسية اليمنية إلى دائرة الضوء.
لكن ما يمكن استنتاجه من الخطاب هو أن استمرار الحرب أخذ يدحرج هذه القضية بعيداً عن جذرها السياسي، حتى أن الحرب أخذت تنفصل عن القضية في عدد من الدعوات لوقف الحرب على نحو مجرد، وبالتالي راحت تنزع عنها أهميتها فيما يخص الوضع السياسي اليمني الداخلي وتبرز ما تشكله من خطر على السلام الإقليمي، وهو ما سعى إليه الحوثيون ومن ورائهم إيران، لتبدو وكأنها معزولة عن جذرها السياسي، وتحجب الرؤيا، في نفس الوقت، عما ارتكبوه من جريمة بمصادرة الدولة بقوة السلاح.
وعلى الرغم من أن جزءاً من الخطاب، في محتواه العام، جاء معبراً نسبياً عن هذه النتيجة التي سعى إليها الانقلابيون وهي المناورة بتطويل زمن الحرب، وفصل وقف الحرب عن حل القضية..
إلا أنه حينما نتابع الإطار الأوسع الذي تم فيه استعراض القضية في الخطاب نستطيع أن نستخلص عدداً من المحددات التي لا يمكن إهمالها عند التفكير في الخطوات القادمة للدبلوماسية الامريكية على هذا الصعيد.
١-إن طول أمد الحرب غدا محرجاً للمجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى التي ساندت بوضوح مشروعية استعادة الدولة منذ البداية، لكن الملاحظة التي يمكن أن تقال في هذا الجانب هي أن المجتمع الدولي لم يدافع بقوة عن قرارته التي اتخذها بشأن إنهاء الانقلاب المتسبب في كارثة الحرب، ومنها القرار ٢٢١٦، بل أخذ يتحرك على هامشها بحثاً عن سلام لا تدعمه أي متغيرات على الأرض، وهو ما أعطى للانقلاب الحوثي فرصة للتمدد والمناورة، وتمرير سياسته في تعقيد الحل وتشبيكه مع متطلبات إقليمية تخدم السياسة الايرانية وأطماعها في المنطقة.
٢-إن الحرب في اليمن غدت، من وجهة نظر الكثيرين ، تهدد كامل الإقليم بعدم الاستقرار . وهو ما يجعل أمن هذا الإقليم الذي يشكل أحد عناصر الاستقرار في استراتيجية الأمن العالمي على المحك، وهذا البعد كان عاملاً مهماً في إعطاء وقف الحرب ذلك القدر من الاهتمام، ولم يكن هناك من أساس للدعوة إلى وقف الحرب سوى الجانب الانساني.. لكن هل وقف الحرب سيشمل حل القضية السياسية؟!
٣-إن استخدام الجانب الانساني في القضايا المعقدة يسهل إيجاد تحالفات ضاغطة لتسريع وقف الحرب، غير أن ما يسكت عنه هذا الخطاب الضاغط هو التعقيدات السياسية للقضية اليمنية والناشئة عن الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح من قبل جماعة تدعي التميز والحق الالهي في الحكم، ناهيك عن التدخل الايراني في الشئون الداخلية لدول المنطقة والضغط بمشروعه النووي لتمرير سياساته التوسعية كثمن لتجميد جزئي ومؤقت لهذا المشروع.
٤-لم يحمل الخطاب أي تلميحات بحلول من نوع ما، وإن كانت بعض الاجراءات التي اتخذت بشأن تجميد بيع السلاح قد شكلت رسالة قوية لإيران والحوثيين أكثر منها لدول التحالف، بمعنى أن هذا الإجراء يجب أن يتوقف معه الدعم الايراني للحوثيين، وتتوقف معه عملياتهم العسكرية التي تتم حالياً من طرف واحد في كافة جبهات القتال.
٥-إن تعيين مبعوث أمريكي لمتابعة الوضع في اليمن يدل بوضوح على مسألتين مترابطتين، الاولى أن الدعوة لوقف الحرب ستسير جنباً إلى جنب مع الجهد الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة بإيجاد حل للقضية بالاستناد الى مرجعيات الحل المتفق عليها، والثانية هي أن أمريكا تعمل على إعادة صياغة عناصر استراتيجيتها في المنطقة في ضوء التغيرات التي حدثت خلال الاربع سنوات الماضية، وهي تغيرات هامة، وربما تتقاطع مهمته مع مهمة المبعوث الأممي السيد جريفتس عند نقاط معينة ، ولكن لن تتعارض معها، ذلك أن مهمته أوسع بمقدار ما تتسع له القضية اليمنية من جغرافيا سياسية وعسكرية وأمنية إقليمية على وجه الخصوص.