المواطن/ مصطفى ناجي
لم تكن ثورة 26 سبتمبر لحظة طائشة او مصادفة مِن مصادفات التاريخ. كانت لحظة اجتراح عبقرية مِن لحظات التاريخ اليمني. كلحظة إشراق ونور مبتلج بعد عتمة قاسية.
لم تكن سهلة التحصيل. بل تولدت بالمثابرة والتجريب والتعديل. او بالمعنى العلمي بالتجربة والخطأ.
ولكن بأي أثمان لتلك التجارب في الخلاص مِن نير الامامة؟ كان الثمن في كل مرة هو جماجم خيرة اليمنيين وأشجعهم واكثرهم طموحا. او في أحسن الاحوال السجن المظلم والقيود الثقيلة على الاقدام لكل عالِم جسور. ومن يحالفه الحظ وجد نفسه منفيا يقاسي الغربة والتشرد واحيانا الجوع والبرد وأهل تركهم في بلاد الحاكم الفاجر.
ثم جاء سبتمبر بمواعيد كثيرة اقلها ان من اراد ان يتعبد الله فلا يتقرب اليه بتقبيل اقدام وركب مِن يدعون الاصطفاء. ومن اراد ان يعلم ابناءه فعليه ان يذهب بهم الى اقرب مدرسة متوفرة. ومن اراد مزيدا مِن الحياة وجدها بالتطبيب المتيسر وامل كبير.
اذا لم يكن هناك مِن حسنات لهذه الثورة فتكفي حسنة التعليم. اذ والجمهورية تكابد الاماميين مِن اجل البقاء انجزت في اول عشر سنوات (هي سنوات حرب بالطبع ) 800 مدرسة في عموم محافظات الشمال. بعد ان كانت هناك خمس مدارس فقط لا غير في بلاد اربعة الى خمسة ملايين ادمي.
ثم تتالت الطرق والمستشفيات. وبعد عشر سنوات ايضا ارتفع متوسط امل الحياة الى اربعين عاما للفرد بعد ان كان اقل مِن ثلاثين عاما. اي ان اليمني كان يربح سنة اضافية لعمره مع كل عام يمر مِن اعوام الجمهورية حتى بلغ متوسط امل الحياة اعلى مِن 65 سنة. كان اليمنييون يموتون مقصوفي الاعمار ينهشهم الموت جوعا ومرضا وخرافات آل البيت.
مِن يصدق ان متوسط عمر الفرد في العراق صبيحة ثورة 26 سبتمبر كان ضعف متوسط عمر الفرد في اليمن بالتمام والكمال.
لم تكن الامامة مجرد نظام سياسي فقط يختلف في تصوره لمعادلة الحكم وموقع الحاكم وفلسفة ادارة البلاد.
كانت قرينا للذل والهوان والاستلاب للمواطن. هذا ليس تجنيا او تورية. لم تكن مفردة مواطن ضمن قاموس المجال العام ولا تندرج في اي موقع مِن خطاب الحكم.
هناك حاكم باسم الله مقدسا سلاليا وهناك رعايا عليهم ان يقاسموه وجنوده لقمة عيشهم التي بجنوها مِن الكد والفلاحة.
لذا فأن ثورة 26 سبتمبر مفارقة تاريخية واكبر مِن التشكيك والتقليل مِن شأنها. وهي تستحق التأمل والدراسة والاحتفاء.
ربما الوقت كان كفيلا بأن يهيل عليها التراب نتيجة فشل الانظمة المتعاقبة في تحقيق اهداف الثورة والوصول الى المأمول ويضعها موقع علامة تاريخية كغيرها مِن علامات توالي الاحداث في بلاد اي بلاد. لولا ان الاماميين الجدد واعوانهم قليلي الثمن دفعوا الناس افواجا الى استعادة معاني سبتمبر والتشبث بهذه الثورة ومنجزاتها الاجتماعية والسياسية وادراك حقيقة معاناة الاوائل والاجداد في عهد الكهنوت الامامي.
اراد الاماميون الجدد دفن 26 سبتمبر بسبتمبرهم الخاص. واعلنوا عملهم اللعين ثورة. فتوالت النكبات على الشعب وتضخم قبحمهم وانكشفت عورتهم.
ادا لم يحصد الشعب مِن انقلابهم الا الجحيم وعودة امراض وجوع الامامة وبطشها على الضعفاء وتأليه بشر هو اجهل الناس واكثرهم ادعاءً.
ذكرى 26 سبتمبر هي اكثر مِن فرح جماعي. انها ميلاد امة وهي وقع حوافر الحصان الذي حمل اليمنيين مِن القرون الغابرة الى القرن العشرين دفعة واحدة وبوثبة واحدة كانت تبدو انها مِن عمل الخيال والتوهم لكن رجالا بواسل بخيال جامح وعزيمة فولاذية جعلوا الحلم حقيقة بدمهم وعرقهم.
فلا تفرطوا بثورتكم. باركوها واعملوا لاجلها وغنوا لها وتمنوا النصر للرجال في الجبهات.