المواطن / كتابات أ.د. محمد قحطان
هذه الأيام تثار تساؤلات حول أسباب تدهور سعر الريال اليمني مقابل العملات الأخرى (الريال السعودي والدولار الأمريكي ) في عدن بصورة متسارعة، بينما تحافظ صنعاء على قيمة أعلى للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
يعود ذلك لعدة أسباب، أهمها الآتي :
أولاً : مراكز الشركات ورجال الأعمال والمنظمات الدولية والبنوك بمختلف أنواعها بقت في صنعاء، ولم تعمل القيادة الشرعية ما ينبغي عمله لتحويل تلك المراكز إلى عدن أو المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية.
ثانياً : قيادة البنك المركزي التي تم تعيينها بعد أن نُقلت وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن لم تستطع تفعيل وظائف البنك المركزي وتفعيل الدورة النقدية التي انهارت بسبب الانقلاب والحرب، وبالتالي فقد بقي فرع البنك المركزي بصنعاء يحتفظ بمعظم وظائف البنك المركزي، باستثناء سويفت البنك الذي تم انتزاعه لحاجة قيادات الشرعية له فقط، ومايتصل بإدارة المعلومات والإشراف والرقابة على عمل الجهاز المصرفي وغيرها من الوظائف فقد بقيت في صنعاء ولم تبذل قيادات الشرعية أي جهد مهني وعملي لانتزاع كافة وظائف البنك المركزي من صنعاء وإدارتها من المناطق التي تقع تحت سيطرتها.
ثالثاً : بسبب غياب السلطة الشرعية فقد عمّت مناطق الشرعية النهب للمال العام من مختلف الأوعية الإيرادية؛ ونظراً لأن مؤسسات السلطة الشرعية قد انتقلت إلى الخارج بالإضافة إلى تضخم السلك الدبلوماسي اليمني في الخارج وغيرها من التزامات الدولة التي تتحمل السلطة الشرعية مسئولية الانفاق عليها، بالإضافة الى الزيادة الكبيرة لموظفي السلطة الشرعية في الداخل والخارج.
كل ذلك وغيرها كانت تتحمل مسئوليته الدولة اليمنية قد أدى إلى زيادة كبيرة للتدفقات النقدية من العملات الأجنبية للخارج يقابله تدني التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية من الخارج إلى الداخل، مما أدى إلى اختلال ميزان المدفوعات اليمني واستمر هذا الاختلال بالتزايد بسبب تزايد التدفقات الخارجة وتناقص التدفقات الداخلة، الأمر الذي اتجه بالطلب على العملات الأجنبية في مناطق الشرعية للتزايد واختلال العرض والطلب.
رابعاً: كان هناك رصيد نقدي بالعملات الأجنبية في البنك المركزي في صنعاء يقدر بنحو 5 مليار دولار أمريكي.
هذا الرصيد تم سحبه من قِبل سلطة صنعاء والقوى التجارية النافذة لخزائنهم الخاصة بالإضافة إلى أرصدة الصناديق العامة وأهمها رصيد المتقاعدين العسكريين والمدنيين، الأمر الذي مكّن سلطة صنعاء من الاحتفاظ بأرصدة نقدية كبيرة من العملات الأجنبية.
خامساً : اتخذت سلطة صنعاء إجراءات مشددة في سوق الصرافة واحكمت قبضتها على هذا السوق بوسيلة وظيفة الرقابة التي يقوم بها البنك المركزي في صنعاء ولم تترك أي مجال للتلاعب في سوق العملة.
وبنفس الوقت تم حصر الكمية المتداولة للنقود بالطبعات القديمة فقط ومنع تداول الطبعات الجديدة، وهو ما جعل التدهور في سعر العملة بسبب الإصدارات الجديدة يؤثر على عدن أكثر من صنعاء.
كل ذلك قد أدى إلى وفرة نسبية للعملات الأجنبية في صنعاء مقارنة بتفاقم العجز في العرض النقدي في عدن.
كما لا ننسى أن صنعاء بسبب احتفاظها بمراكز جلب العملات الاجنبية سواء من رجال المال والأعمال أو من المنظمات الدولية أو الأرصدة السابقة بالإضافة إلى المساعدات الإيرانية التي تتدفق بصورة سلع وأهمها المشتقات النفطية
قد مكن صنعاء من المحافظة على مركز اقتصادي أقوى من عدن.
ولا ننسى – أيضاً- أن عامل سحب العملات الأجنبية من مناطق الشرعية إلى صنعاء بكميات تزيد عن ما يخرج من صنعاء إلى مناطق الشرعية أحد أهم العوامل التي أدت إلى ثبات نسبي لسعر العملات الأجنبية في صنعاء مقارنة بالتدهور الذي يشهده سوق العملة في مناطق الشرعية.
ولمعالجة المشكلة المشار إليها آنفاً؛ ينبغي على السلطة الشرعية
مواجهة الأسباب السابقة من خلال وضعها في مجال اهتمامات الجهات المختصة، بالإضافة إلى ضرورة مواجهة الفساد بصورة حازمة وقوية
والحرص على تحقيق جملة من الأهداف، أهمها :
1) العمل على إصلاح مصافي تكرير النفط وتوجيه قدر مناسب مما يتم استخراجه من النفط الخام وتغطية حاجة السوق اليمنية بالمشتقات النفطية وبأسعار مناسبة من خلال تفعيل شركة النفط اليمنية بكل فروعها في المحافظات ورفع مستوى أدائها.
2) إلزام المحافظات المنتجة للنفط والغاز بتوريد كامل عائدات النفط والغاز إلى البنك المركزي وفروعه في المحافظات المحررة.
3) العمل على تفعيل الجهاز المصرفي بأسرع وقت ممكن واتخاذ كافة التدابير اللازمة لتفقد عائدات المغتربين اليمنيين عبر الجهاز المصرفي اليمني وكذا التدفقات النقدية من العملات الأجنبية من المصادر الأخرى.
4) ترشيد عمليات الاستيراد من خلال تفعيل الوحدات الاقتصادية التابعة للدولة وإصلاح أجهزتها الإدارية وبما يضمن وجود إدارة نزيهة تتمتع بأعلى قدر من المهنية والتخصص وأهمها :
- المؤسسة الاقتصادية
- مؤسسة الحبوب
- مؤسسة الأسمنت
- شركات التبغ والكبريت والنفط والغاز
وغيرها من الوحدات الاقتصادية ذات العلاقة بالاستيراد والتصدير.
وهناك إجراءات سياسية واقتصادية عديدة تم إقرارها سابقاً لم تنفذ بفعل عدم عودة السلطة الشرعية إلى الداخل، الأمر الذي يستدعي التسريع بتنفيذ اتفاقية الرياض.