المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
مدخل
بعكس الفرق الإسلاميه نستطيع القول أن المذاهب الفقهية نشأت بعيداً عن السؤال السياسي بشكل مباشر ومع ذلك تظل كل قاعدة لها إستثناء يخالف القاعدة، والإستثناء هنا يتعلق بالمذهب الزيدي الذي نستطيع القول أن نشأته منذ البداية كانت نشأة سياسية بحتة على إثر مقتل الإمام زيد بن على ابن الحسين الذي خرج ثائراً على مُلك هشام ابن عبدالملك العضوض، يومها كان زيد ابن علي وعدد كبير من شباب آل البيت قد إنتموا حركياً وفكرياً وسياسياً لجماعة المعتزلة = { التيار العقلاني والنشط في الإسلام المبكر } بل إن إجتماع مكة الذي عمل على التحضير لمسألة الخروج ضد ملك هشام بن عبد الملك، ترأسه ودعا له واصل ابن عطاء “فيلسوف المعتزلة وقائدها الحركي” لذلك ليس بمستغرب أن يقال بأن الزيدية – معتزلة في العقائد واحناف في الفروع – بل إن الكليات الخمس للمعتزلة قد أصبحت بعد ذلك هي الأصول في المذهب الزيدي بعد أن تم الإستغناء عن الأصل الثالث للمعتزلة={ المنزلية بين المنزلتين } وإستبداله عند الزيدية بأصل الخلافة أو الإمامة في آل البيت، لهذا تحدث علماء المذهب عن الإمامة اكثر مما تحدثوا في الفقه وهو ما ينسجم مع نشأت المذهب التي كانت تعبر منذ البداية عن حاجة سياسية وليس عن حاجة فقهية دينية فالإمامة هي القضية المركزية للمذهب الزيدي .
في اليمن أدى مجئ الإمام الهادي ابن الحسين إليها سنة 284 هجرية، وتأسيسه للمذهب الزيدي بنسخته الهادوية انطلاقاً من صعدة، التي ظلت بعيدة عن عاصمة العباسيين وملكهم العضوض، إلى تحقيق نتيجتين مع مرور الزمن في هذه المساحة الجغرافية من شمال اليمن :
الأولى تقول إنه مع تعاقب الأجيال تحولت الهضبة في اليمن أو منطقة شمال الشمال إلى منطقة جيوسياسية زيدية بغض النظر عن التزام الإنسان هناك بتعاليم المذهب الزيدي من عدمه
والثانية تقول إن الهادوية في اليمن قد امتصت بكل ما تعني الكلمة من معنى عقلانية المذهب الزيدي الموروثة من تيار المعتزلة، بل وصل الحال بخصوص ذلك إلى درجة أن أقدم أئمة الزيدية وفقهائها في اليمن على منع أبناء الزيدية أنفسهم من الإطلاع على مؤلفات وتعاليم الإمام زيد، وقد كان يحدث مثل هذا وغيره في سبيل أن تظل -السلالة السياسية- أو الهاشمية السياسية كما يسميها البعض هي الحاكمة سياسياً والمرجعية دينياً لاسيما وأن أئمة السلالة يدركون أنهم يحكمون في مجتمع قبلي يدين إلى حد كبير لشيخ القبيلة، كما أن القبيلة تشكل للفرد “هوية انتماء وحماية” أي أن القبيلة مازالت تمارس في هذه المساحة الجغرافية من اليمن، دورها التاريخي والوظيفي على حد سواء، بمعنى آخر أن شيخ القبيلة قد يشكل اليوم او غداً منافس سياسي لإمام السلالة السياسية الذي لا يتمتع بثقل قبلي على المستوى الإجتماعي في هذه المنطقة الجيوسياسية زيدية، لاسيما وأن سقوط أول دولة زيدية كان بسبب انتفاضة القبائل على إثر إقتتال أحفاد الهادي على السلطة، بل أثبتت الأحداث بعد قرون أن القبيلة تولت بالفعل زمام القيادة السياسية على حساب السلالة كما سوف يتم توضيحه لاحقاً…. .
ملاحظه : رأينا أن إستخدم مصطلح -السلالة السياسية- أجدى من مصطلح -الهاشمية السياسية- لأن الأول أدق في التعاطي مع فلسفة الزيدية أو الأثنى عشرية التي تدعي أن الإمامة في البطنيين اي من سلالة على وفاطمة وليس من سلالة هاشم وهي فلسفة سلالية كما سيتم توضيحه.