المواطن / تعز
أقام القطاع الطلابي للحزب الإشتراكي اليمني بمحافظة تعز ، صباح امس السبت ، ندوة سياسية بعنوان “الاغتيالات السياسية ودورها في إعاقة مشروع الدولة المدنية الحديثة”.
وجاءت الندوة بمناسبة مرور الذكرى 17 لاغتيال الشهيد جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الإشتراكي اليمني ، وبالتزامن مع جريمة إغتيال العميد الركن عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع شرعية قبل شهرين، وقسمت الندوة إلى أربعة محاور رئيسية بالإضافة إلى مداخلات الحاضرين.
جريمة الإغتيال السياسي.. مدخل عام
وتناول هذا المحور الأول في الندوة الأستاذ عيبان محمد السامعي، تحدث فيه عن جريمة الإغتيال السياسي كمدخل عام، قال فيها بأن “ظاهرة الاغتيال السياسي ظاهرة تاريخية قديمة تضرب بجذورها عميقاً في تاريخ البشرية, نشأت وتطورت ارتباطاً بنشوء السلطة السياسية وتطور ممارساتها القمعية”.
وعرف عيبان السامعي الإغتيال السياسي بقوله “وفي الاصطلاح السياسي يعني الاغتيال (Political Assassination) ظاهرة استخدام العنف والتصفية الجسدية بحق شخصيات سياسية كأسلوب من أساليب العمل والصراع السياسي ضد الخصوم, بهدف خدمة اتجاه أو غرض سياسي”، مضيفا بأن “الاغتيالات السياسية ظاهرة وجريمة في آن, فهي ظاهرة اجتماعية تاريخية بحكم تكرار حدوثها وانتشارها زمانياً ومكانياً, فضلاً عن تعدد واختلاف أسبابها ودوافعها… وهي جريمة وضرب من ضروب القتل العمدي, محرمة دينياً, ومجرمة قانوناً, ومرذولة اجتماعياً”.
وفرق عيبان السامعي بين جريمة الاغتيال السياسي وبين جريمة القتل العادي, بقوله “عملية القتل العادي جريمة فردية جنائية, يقوم بها فرد أو مجموعة بسيطة من الأفراد بدافع الثأر أو الانتقام الشخصي أو بدوافع أخرى. بينما عملية الاغتيال السياسي جريمة منظمة ومركبة, ودوافعها سياسية في الغالب, وتتم بتخطيط وتدبير معقدين, وتقوم بها جهة منظمة, تمتلك إمكانيات وقدرات مخابراتية وأمنية وعسكرية كبيرة, وما القاتل إلا أداة تنفيذية وحسب ، جريمة القتل الجنائي تستهدف إنساناً عادياً, وتنحصر تداعياتها في إطار ضيق: على مستوى الأسرة, أو العشيرة, أو القرية, أو الحي السكني, فيما جريمة الاغتيال السياسي تستهدف أشخاصاً مؤثرين في مجتمعاتهم زعماء سياسيين, قادة عسكريين, مفكرين, أدباء, مثقفين, صحفيين, ناشطين …إلخ, وتداعياتها وتأثيراتها تمتد إلى المجتمع بأسره”.
وتابع حديثه بالقول “ومن ناحية ثالثة: تأخذ عملية القتل الجنائي شكلاً واحداً وتتم في اتجاه واحد، وبخلاف ذلك, تأخذ عملية الاغتيال السياسي ثلاثة أشكال: الاغتيال المعنوي والاغتيال المادي والاغتيال “القانوني”, إن جاز التعبير, والشكل الأول يقود بالضرورة إلى الشكل الثاني ومنه إلى الشكل الثالث. فالاغتيال المعنوي يهدف إلى تحطيم رمزية ومكانة الضحية, بالتحريض والتشهير والتشويه, وصولاً إلى إصدار فتوى تكفيرية تجيز استحلال دمه, وهنا تتجسد الجريمة كفعل مادي بتصفية الضحية جسدياً, وبعد أن تنفذ الجريمة بنجاح, يأتي دور التغطية على المجرمين والمخططين والممولين من خلال أحابيل القانون والاجراءات الشكلية الهادفة إلى دفن القضية وتقييدها ضد مجهول أو مختل عقلي”..!
وبخصوص دلالات جريمة الاغتيال السياسي قال جريمة الإغتيال السياسي تنطوي على “دلالات شتى, فهي أولاً نقيض للسياسة, فالسياسة لا تكون إلا مدنية, وتقتضي بالضرورة الحوار واعتماد منطق الإقناع والقبول بالآخر، وفي المقابل, فإن الاغتيال السياسي فعل وحشي نقيض للسياسة, وللخير العام, وللتغيير, وللمستقبل.. الاغتيال السياسي هو اغتيال للسياسة, وفتح نافورة الدم وسلوك مسالك العنف والتوحش”، مشيراً إلى أن جريمة الاغتيال السياسي تتناقض مع “منطق التاريخ, الذي يقرر أن التطور يتم وفق مسار موضوعي وبإرادة جماعية نزاعة للخير الإنساني، فتأتي جريمة الاغتيال لإعاقة هذا المسار الموضوعي, وتحاول تطويع حركة التاريخ لمسار إرادوي أناني فاشي”.
واوضح بأن “الجهة التي تلجأ إلى الاغتيال السياسي تريد أن تكرس في الوعي العام أن مسار التاريخ ينحكم لقوة خفية شريرة, تعمل في الظلام وتهدف إلى تحقيق أهداف خفية غير معلنة بنزعة إرادوية أنانية….مؤكداً أن جريمة الاغتيال السياسي هي بالضرورة مضادة للطبيعة الإنسانية الخيِّرة, ومجافية للشر والعدوانية التي هي من طبائع الحيوان المفترس…أما عدوانية البشر فغير مبررة على الاطلاق, إنها نزوع “سيكوباتي”, أي سلوك شاذ أو انحراف عن السلوك القويم, لا تهدف إلى تأمين شروط البقاء, بل تدفعها الرغبة الجامحة في السيطرة والانفراد والتسلط وإلغاء الآخر واجتثاثه”.
وشدد على أن “جريمة الاغتيال السياسي هي نتيجة منطقية طبيعية لفكر متطرف, لأيديولوجيا دوغمائية تنضح بالكراهية والحقد والإقصاء. دوغما توحد بين الذات والعالم, فلا ترى العالم إلا من منظورها الخاص. وموقفها من الآخر موقف ارتيابي فكل آخر في هذا العالم هو عدو محتمل…والدوغما هي صورة فاقعة للأيديولوجيا الرجعية, قوامها نهج فكري متزمت ومنغلق على الذات, يقيم علاقة خصومة شديدة للنقاش والحوار والجدل والاختلاف. يدّعي بامتلاك الحقيقة المطلقة… هذه اليقينية الوثوقية التي توحد بين الذات والعالم, هي الجذر الفلسفي والفكري للتعصب, ومدخل لكل فعل إرهابي”.
وأكد عيبان السامعي في ورقته على أن جريمة الاغتيال السياسي “منتج من منتجات ثقافة الكراهية والاستعداء والتعصب, ودافعها تصفية الآخر المختلف بناءً على الرأي أو الانتماء, وفرض الراي الواحد واللون الواحد والصيغة الأحادية…. هي علامة انحطاط وإفلاس للجهة التي تلجأ إليها, لأنها تفضح عجزها على مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي والفكرة بالفكرة, لذا تستدعي الجريمة لتصفية منافسيها”.
وقال:”تتوهم الجهة التي تلجأ إلى الاغتيال السياسي أن بجريمتها ستتمكن من إخراس الصوت الحر, وإلغاء الفكر الآخر, ولكن هيهات, فللفكر قوة كامنة لا يمكن قهرها أو إزالتها”. مشيراً إلى أن “…جريمة اغتيال واحدة يمكن أن تطيح بحكومات وأنظمة في بعض البلدان المتقدمة, لكن في عالمنا الثالث تمر هذه الجرائم ويفلت الجناة والمخططون, لا بل ربما يحظون بحماية وغطاء من لدن النظام السياسي وأجهزته الأمنية والقضائية, وفي هذه الحالة تصبح جريمة الاغتيال السياسي جريمة رسمية, أو إرهاب دولة”.
وعن عوامل الإغتيال السياسي في اليمن والجهات التي تقف خلفه واساليبه قال السامعي مدعما قوله بالامثلة والدلائل الحقيقية التي حدثت في اليمن أن “ظاهرة الاغتيالات السياسية في اليمن معقدة يتداخل فيها العامل السياسي بالديني بالإيديولوجي بالاجتماعي بالثقافي…إلخ, وهي ظاهرة شائكة نظراً لتعدد الجهات والقوى التي مارست هذه الجريمة بين أجهزة استخباراتية وقوى دينية وحركات ثورية وأجنحة متصارعة ذات اليمين وذات اليسار، كما تعددت الأساليب والأدوات المستخدمة في تنفيذ هذه الجريمة في سياقنا اليمني, فهناك اغتيال بالرصاص الحي (مثل: اغتيال محمد أحمد النعمان في يونيو 1974م, واغتيال إبراهيم الحمدي وشقيقه في 11 أكتوبر 1977م, واغتيال حسن الحريبي وماجد مرشد وما يزيد عن 150 قيادي من قيادات الحزب الاشتراكي خلال أعوام 1991- 1994م, وصولاً إلى اغتيال جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني في 28 ديسمبر 2002م, واغتيال بالدهس والحوادث المرورية (أبرز مثالين على ذلك: اغتيال د. عبدالعزيز السقاف عام 1999م, واغتيال د. عبدالملك المتوكل في 2 نوفمبر 2014م)” ، كما تطرق السامعي إلى عدد آخر من أساليب الإغتيال السياسي في اليمن والتي دعمها بنماذج لأشخاص تعرضوا للاغتيال السياسي، واصفا هذه الأساليب ب”القذرة التي أدارتها وخططت لها أجهزة أمنية واستخباراتية وأطراف نافذة، ونفذتها عناصر أمنية أو متطرفة” حد تعبيره، مؤكداً على أن “القاسم المشترك الأعظم بين جل هذه الجرائم أنها كانت تقيد ضد مجهول, ويتم دفن الحقيقة بالتغطية على مخططيها ومنفذيها وبالتالي إفلاتهم من العدالة”.
وأشار إلى أن الخطاب الاقصائي, هو إرهاب فكري يترتب عليه سلوك عدواني, مشيراً إلى أن خطابنا السياسي والإعلامي والديني خطاب عنف, يخاطب الغرائز أكثر مما يخاطب العقول, مؤكداً على أنه لا سبيل أمام هكذا بنية عنفية غير تفكيكها كأساس موضوعي لبناء سلام عادل ومستدام ومجتمع متعايش.
وأضاف “الاغتيال السياسي في اليمن مسلسل دامي استنزف ويستنزف الحركة الوطنية بشتى تياراتها السياسية وتوجهاتها الفكرية, وأغرق البلد في بركة من الدماء المسفوحة, وآن لهذا المسلسل الدامي أن يتوقف, ولن يتوقف ما لم يكن لنا صوت كشعب وكقوى سياسية ومدنية وناشطين, صوت مناهض لهذه الجريمة” مؤكداً على أن “إيقاف مسلسل الاغتيال يقتضي مواجهة التطرف والعنف والارهاب وثقافة الكراهية وسياسة الإقصاء والإبعاد والتهميش, مواجهة شاملة من خلال بناء رؤية وطنية توافقية, تنبثق عنها سياسات وإجراءات اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية وإعلامية وبمشاركة مختلف الأطراف المعنية”.
وأشار إلى أن مواجهة جرائم الاغتيال السياسي بحاجة إلى إجراءات أخرى مثل “بلورة خطاب سياسي وطني يبشّر بقيم التعايش وبسائر القيم الديمقراطية، إعادة صياغة الهوية الوطنية الجامعة, والتأكيد على وحدة المصير الوطني, لاسيما في الظروف الصعبة الراهنة التي تمر بها بلادنا، إجراء إصلاح شامل في منظومة التعليم وغربلة المناهج التعليمية من علائق العنف وثقافة الكراهية والخرافة باتجاه تجذير العقلانية وإشاعة قيم المحبة والسلام والوئام، العمل على تحقيق تنمية شاملة ومتكاملة ومستدامة”.
الإغتيال السياسي وإعاقة مشروع الدولة المدنية الحديثة :
وتناول هذا المحور الثاني من الندوة الدكتور ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس قسم علم الاجتماع بجامعة تعز ، تحدث فيه عن الاغتيال السياسي وإعاقة مشروع الدولة الحديثة، كرؤية سياسية، يهدف إلى ابراز البعد السياسي للجريمة و تناول القوى والاطراف التي قامت وتقوم بهكذا جرائم ودوافعها واهدافها وأدواتها، وانعكاسات كل ذلك على مشروع الدولة الحديثة.
وقال ياسر “الاغتيالات التي شهدتها اليمن وتزايدت وتيرتها منذ العام 2011م وحتى الوقت الراهن لسيت سياسة طارئة ولا معالجة أمنية مؤقته ولا أسلوب مرحلي عابر، بل استراتيجية ثابتة لدى القوى والنخب التي استملكت السلطة أو تسعى إلى استملاكها، إذ ظلت ترى في إرهاب وقتل الخصوم(الفردي والجماعي) وسيلة ناجعة للتخلص ممن تعتبرهم الأعداء والخصوم حسب ما تتطلبه المصلحة والحاجة الأمنية والسياسية وحتى الفكرية”.
وأشار الدكتور ياسر في ورقته إلى أن معظم جرائم الاغتيال السياسي في اليمن لم يتم التحقيق فيها وإعلان نتائج التحقيقات للرأي العام ، وظل الإغتيال السياسي ظاهرة ملازمة للسلطة القائمة ، مؤكداً على أن من أهم الأسباب هي السبب السياسي أولا، تأتي بعدها الأسباب الاجتماعية وغيرها من الأسباب.
واكد ياسر الصلوي على أن الأهداف من الإغتيالات تكمن في “مثلت أداة مهمة وناجحة من قبل القائمين على السلطة للمحافظة على النظام بقائه،بث الخوف والرعب في نفوس الخصوم السياسيين بغرض ارهابهم وردع القوى التي تفكر في مهاجمة النظام والنخبة الحاكمة أو تهدد بقائها أو استمرار مصالح رموزها،
أداة لمعاقبة القيادات في التنظيمات السياسية والحزبية، أو التأثير على بنيتها وقدرتها التنظيمية بإحداث فراغ في رأس هرمها القيادي وضرب أطرها القيادية، تصفية العقول المهمة والشخصيات القيادية والنخب الكاريزمية( اغتيال الازاحة) والذي يؤدي إلى التأثير التنظيمي للقوى المعارضة، محاولة النخب الحاكمة ورموز السلطة خلط الأوراق والتهرب من أي استحقاق سياسي، أو الهروب من حالة افتقاد الأفق السياسي”.
وأضاف أن من الأهداف “خلق حالة من الخوف للنظام والمجتمع برمته من خلال تنفيذ الاغتيالات المتكررة للعديد من الشخصيات من قبل الجماعات الإرهابية ( القاعدة، داعش،…إلخ)،
استعمل كأداة سياسية في عملية صراع المصالح والحصول على مكتسبات من السلطة بممارسة الضغوط عليها واقلاق استقرارها، تشويه الخصوم أحياء وأموت، عبر اعداد مسرح جريمة يزيف ويشوه الرصيد النضالي لهم أمام محبيهم وأقاربهم والأجيال المتعاقبة، ارسال رسائل للشرفاء والأحرار أن لا مكان لهم إلا في القبور أو السجون، أو خارج البلاد،
ارباك الانتقال الديمقراطي واجهاض التجربة الديمقراطية في اليمن التي كانت قد شهدتها البلاد مطلع تسعينيات القرن الماضي والتفرد بالسلطة من قبل النخبة الحاكمة، محاولة التأثير على المشروع الوطني بضرب رموزه السياسية والفكرية والعسكرية والتأثير عليه نفسيا واجتماعيا وأمنيا”.
وعن الجهات التي تقف خلف الاغتيالات السياسية قال ” تتعدد الجهات من أبرزها أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية ، الإسلام السياسي ، أجهزة الاستخبارات التابعة للجهات الخارجية ، وهدفت لاعاقة دولة النظام والقانون والمدنية الحديثة.
وعن امكانية توقف سلسلة جرائم الإغتيال السياسي باليمن في الوقت الحالي توقع الدكتور الصلوي أن تستمر جرائم الاغتيال السياسي حالياً وذلك لعدم وجود امكانية لتوقفها، خاصة في ظل الصراع القائم في البلاد.
وتطرق إلى بعض الحلول الممكنة لمواجهة جرائم الاغتيال السياسي منها اعتماد الحوار ومحاربة أسباب الإغتيال ، دعم منظمات المجتمع المدني ، توفير حماية قانونية للمفكرين والناشطين وغيرهم ، التربية على أهمية الحوار بدأ من الأسرة فالمدرسة فالمجتمع.
الإغتيال السياسي من منظور تاريخي وقانوني :
وتناول هذا المحور الثالث من الندوة المحامي فهمي محمد تطرق فيه إلى الاغتيال السياسي، من منظور تاريخي وقانوني، بدأ ورقته بتوطئة سياسية وقانونية في مفهوم الجريمة السياسية، وقال على “المستوى السياسي أرتبط ما يعرف بمصطلح الجريمة السياسية وحتى إمكانية تداولة مثل هذا المصطلح في توصيف فعل القتل المتعمد للإنسان ( خارج نطاق القانون ) مرتبط بفكرة ظهور السياسية وعلى إثر قيام السلطة العامة في المجتمع، أما على المستوى القانوني فقد تم إخراج هذه الجريمة من نطاق القانون الخاص التي تخضع لأحكامه مجمل الجرائم العاديه وحتى الجريمة الإجتماعية، إلى نطاق القانون العام نظراً لخصوصية الأسباب والدوافع الكامنة وراء فعل الإقدام على مثل هذا النوع من الجرائم السياسية التي دائماً ما تصل عقوبتها إلى حد الإعدام، حتى في الدول الديمقراطية”.
وأشار فهمي محمد إلى أنه من المفارقة الأكثر كارثية وخطراً على أمن المجتمع وإستقراره “عندما تقدم الدولة نفسها أو النظام الحاكم فيها أو حتى النافذين داخل أجهزتها على ممارسة الجريمة السياسية وعلى وجه التحديد جريمة الإغتيال السياسي – في حق الخصوم أو المعارضين السياسيين – التي كانت وماتزال فن من فنون السلطة والحكم في اليمن” .
وعن الإغتيال السياسي من منظور تاريخي كشف فهمي محمد عن أن جريمة الإغتيال السياسي ظهرت “في المرحلة التاريخية التي تحول فيها وجود الأفراد إلى جماعة متجانسة ( مجتمع إنساني ) أصبحت تعي ذاتها ووجودها الجمعي- المستقر والمتجانس – بحيث بدأت هذه الجماعة محتاجه لوجود سلطة عامه تحمي وجودها ، من منظور سياسي يعتمد في المقام الأول على الولاء السياسي المطلق للحاكم في هذا المجتمع أو ذاك ، أو بمعنى أدق نستطيع القول أن صيرورة التطورات التاريخية على مستوى الاجتماع والسياسة على حد سوى قد جعلت من مسألة وجود الولاء السياسي لدى الإنسان من عدمه أول الأسباب الموضوعية التي أستدعت التفكير في ممارسة جريمة الإغتيال السياسي والتصفية الجسدية للخصوم السياسيين والمعارضين على وجه التحديد”.
وبشان نطاق تجربة الدولة العربية والإسلامية قال “تذكر بعض المصادر على أن اول ضحيه لفعل الإغتيال السياسي كان هو الصحابي سعد ابن عباد الأنصاري، الذي رفض أن يبايع الخليفة أبو بكر ثم عمر من بعده، وقد قتل ومات دون أن يبايع أحد من الخلفاء في حياته، بعد أن كان الأنصار قد نصبوه خلفيه عليهم في إجتماع السقيفة الذي انعقد بين الأنصار قبل أن يوارى الثرى جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم… فالرجل يومها كان هو الشخص الوحيد من بين المهاجرين والأنصار الذي اتخذ موقف سياسي يتمثل في رفضه المطلق لمسألة أن تكون الخلافة في قريش”.
وتطرق فهمي محمد في ورقته إلى تطور الإغتيال السياسي وادواته بتغيير أنظمة الحكم في العالم العربي والإسلامي ، من تحول الخلافة إلى ملك ، وصولا إلى الدولة وما رافق ذلك من إشتباكات سياسية وفكرية حد وصفه، وقال: “وفي ظل هذا الإشتباك السياسي الذي أستدعى فيما بعد إشتباكات فكرية متعددة ، بدت الحاجه لفعل الإغتيال السياسي أكثر إلحاحاً وتطوراً في الوسائل والأدوات، ولعلى فلسفة الحليفان = { معاوية وعمرو بن العاص } التي عُرفت تاريخياً تحت مقولة – إن لله جنود من عسل – كانت بلاشك تعبر عن تطور تاريخي وحتى تقني في الأدوات المستخدمة في تنفيذ جريمة الإغتيال السياسي للخصوم السياسيين “المعول عليهم شعبياً” عن طريق دس السم في العسل”، وقد ذهبوا ضحية لهذه التطور في مسار الجريمة السياسية عدد كبير منذ سقوط الحسن في القرن الأولى الهجري وحتى سقوط فتحي العبسي في القرن الرابع عشر الهجري.
وأضاف “ومع هذه التحولات ظهر جيل آخر من المثقفين النخبويين الذين اتخذوا موقفاً فكرياً وعقلانياً نقدياً ضد هذا الإنحراف السياسي والثقافي الذي بدأ يعمل على تحويل الدين إلى أيديولوجيات مذهبية توظف سياسياً في خدمة الحاكم وتبرر في نفس الوقت أفعاله وجرائمه”، مؤكداً على أنه “مع ظهور هذا المثقف التنويري الذي اتخذ موقف عقلي ونقدي من السلطة المستبدة وسياستها، كان المتضررين من هذا الموقف النقدي يطورون سلاح المواجهة لديهم، وعلى وجهه التحديد أدوات وتقنيات فعل الإغتيال السياسي وبشكل جعل الجلاد هذه المره يضع الضحية أولا في دائرة الكفر أو الزندقه ويمعن في مسألة التحريض عليه تمهيداً لإغتياله على يد المتدينيين “المتطرفين” أو على يد مخبرين السلطة وعساكرها”.
وأشار إلى أن “غيلان الدمشقي كان هو المثقف الناقد والعقلاني الأول في تاريخنا العربي والإسلامي الذي تعرض لفعل التحريض، ثم بعد ذلك لفعل القتل بدافع سياسية على يد الخليفة هشام ابن عبدالملك على إثر موقفه الأول السياسية والفكرية والعقلانية الناقدة لواقع السلطة الفاسدة والمستبدة سياسياً وفكرياً، ليتم بعد ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام فعل الإغتيال السياسي الذي يبدأ من نقطة العمل بالتحريض وإلصاق تهمة الكفر والزندقة في حق الخصوم السياسيين، كما هو الحال مع تهمة الكفر والزندقة التي بدأت مع غيلان الدمشقي، واستمرت بالتطور إلى زمن الشهيد المغدور به جارالله عمر، نأئب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، وسوف تستمر باستمرار وجود هذا المثقف التنويري طالما تحول إلى موقف سياسي وفكري يقف في وجه الإنحراف ولا يساوم قط في مسألة المبادى والأهداف الوطنية النبيلة”.
وأوضح بأن “من يتخذ القرار في جريمة الإغتيال السياسي دائما وأبداً لا يهدف من وراء ذلك إلى تحقيق مكاسب شخصية بحته، وبغض النظر عن بعض الحالات التي يكون فيها المنفذ يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية، فإن الجاني في هذا النوع من الجرائم هو من يتخذ قرار الإغتيال وليس المنفذ الذي يكون هنا شخص مأجور ، أو شخص قابل لتوظيف بسبب أفكاره المتطرفة أو حتى مشاكله النفسية، ولذلك فإن جميع الناس دائماً ما تذهب للمطالبة بضرورة إجراء تحقيقات جاده تكشف أبعاد الجريمة ومن هي الجهة التي تقف ورائها، كما هو حالنا مع إنتظار نتائج التحقيق في جريمة إغتيال العميد الركن عدنان الحمادي، وفي المقابل فإن الضحية في جريمة الإغتيال السياسي لا يكون هو المقصود إبتداءً بشخصه المجرد بقدر ما يكون مقصود في الزمان والمكان الذي تحوله فيه هذا الإنسان من شخص عادي إلى موقف سياسي وفكري ناقد ومعارض لواقع ما، أو أنه شخص بارز ومؤثر في تكتل أو حزب سياسي يمتلك موقف سياسي وفكري تحديثي ناقد للواقع”.
واكد على أن “الفكر القانوني يوصف فعل الإغتيال السياسي بكونه قتل خارج القانون وهي جريمه يقع فيها الاعتداء على حق الحياه بالتخطيط سرا أو على حين غرة بحق فرد أو جماعة لتحقيق أهداف سياسية…فجميع القوانين والتشريعات لاسيما الدولية والإقليمية تجعل من جريمة الإغتيال السياسي اعتداء على حق الإنسان بالحياة التي تعد محل حماية قانونية في جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية وفي نصوص القانون الدولي لحقوق الإنسان على وجه التحديد، وكذلك في الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الثالثة على : ( لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وسلامة شخصية ويحمي القانون هذه الحقوق)”.
وقال “لكن الحماية القانونية لحق الحياة تصبح أمر حقيقياً ومحققاً فيما يتعلق بجرائم الإغتيال السياسي على وجه التحديد متى كان القانون قادراً على الوصول إلى متخذ القرار في عملية الإغتيال السياسي وتقديمه للمحاكمة، وليس في محاكمة المنفذ المباشر لغعل الإغتيال السياسي وهذا ما يعد للأن محل نقص كبير في مسألة الحماية القانونية لحق الحياة أمام فعل الإغتيال السياسي نأمل أن يتم تجاوزه من قبل المشرعين، المشرع اليمني بالذات كون اليمن من أكبر الدول التي تحدث فيها جريمة الإغتيال السياسي، ولا تجاريها في نسبة إرتكاب مثل هذه الجرائم إلا دولة إسرائيل مع الفارق أن دولة إسرائيل… تمارس فعل الإغتيال السياسي خارج فضائها ضد خصوم الدولة والشعب الإسرائيلي وليس على أبناء جلدتها!”.
الإغتيال السياسي جريمة ضد المجتمع والإنسان :
وتناول هذا المحور الرابع من الندوة الأستاذ ياسين الزكري مدير عام دائرة الإعلام بمحافظة تعز، تحدث فيه عن الإغتيال السياسي جريمة ضد المجتمع والإنسان، مبرزا البعد الإنساني الذي ينتج عن الجريمة، أي التداعيات على اسرة الضحية وعلى المجتمع بأسره.
وتحدث ياسين الزكري في ورقته عن الأداة أو المنفذ لجريمة الإغتيال السياسي بقوله “على صعيد الشخص الأداة
هو شخص من ثلاثة ، أحدهم عاطفي سريع التاثر والأخر متمرد يود تجربة الأشياء المغايرة الإدمان اختراق الحدود الاجتماعية، وثالث طموح مسكون بالنرجسية وجدوا انفسهم بطريقة ما في وسط يصدقهم ويشيد بهم ويحفزهم ويساعدهم في رسم الطريق وهنا تبدأ القصة”.
وأوضح أنه بعد ذلك يبدأ عزل هذه الأداة في
“عملية مركزة لاعادة توجيه التفكير والمشاعر صوب امر واحد ” الانتقام-المتعة- الشهرة” ومن ثم الاستمرار في التغذية مع استمرار تدريجي في حرف التوجه عن المسار الطبيعي الفطري او الإيجابي الذي يقبل بالتعدد والتنوع أي السير وجهة التطرف في قضية ما”، مؤكداً على أن النتيجة من ذلك هي “عقل موجه بكامل طاقته صوب امر واحد فقط يتراءى له ربما أنه الوحيد الذي يمكنه صنع المعجزة التي هي في الحقيقة الجريمة”.
وشدد ياسين الزكري على أن “ما يحدث هنا اذاَ هو اغتيال عقل هذا الشخص وانتهاك مشاعره الادمية ابتداء ، وهي عملية يتم الصرف عليها بسخاء بمعنى آخر “الفقر ليس هو القاتل وانما الثراء الذي يبلغ حد الرعب من الافتقاد اليه ربما”.
وأضاف “على صعيد أسرته سيتسبب هذا الشخص لاحقاَ في حرمان اسرته منه ومن حلمها الكبير الذي كانوا يتخيلونه فيه ويسعون لانجاحه ، وسيلحق العار باسرته ودائرتها الواسعة حيث سيغد وبحسب مستوى الوعي الاجتماعي الساير هذا أبو المجرم وتلك اخت القاتل وذاك قريب الإرهابي، وبالتالي فهو شخص قضى على حياته وسمعة ومستقبل وفرص اسرته الواسعة، وربما أيضا يتم اطفاله ورمل زوجته”.
وعلى مستوى الضحية قال ياسين “ساكتفي بالحديث عن بعد واحد فقط وهو أن الضحية دوما ليس مجرد انسان عادي بل هو امل شعب في صناعة تحول من نوع ما ، هو صاحب فكرة او مشروع هدفه خدمة بلد وطن وشعب وانتشاله من وضع سيئ لوضع افضل مشروع شخص انكر ذاته من اجل الناس ولأنه كذلك راى فيه شخص ما بعيد مشروع منافس قادم او خطوة في الطريق المؤدية لهز عرشه فقرر ازاحته من تلك الطريق ليتفرد بمواصلة السير في برنامجه القائم على مص دماء الناس ونهب استحقاقاتهم واغتيال احلامهم ومستقبلهم”.
وختم حديثه بالقول “قد يكون الضحية شخص يهدد مركز الراجل الكبير في دائرة اضيق
وفي كلا الحالتين فإن الامر باختصار شديد هو اغتيال حلم الدائرة الاوسع وتطلعها وحقها في حياة افضل لحساب فرد او افراد يودون احكام السيطرة على الجميع وإبقاء الحال آنيا على ماهو عليه ومن ثم الذهاب الى ما هو أسوأ واسوأ وأسوأ مماكان عليه،
أما بالنسبة للمعاناة الإنسانية لاسرة الضحية فليس عصيا تخيلها وليس صعبا رؤيتها مع الأسف الشديد في غير مكان”.
وفي ختام الندوة قدم رئيس الرقابة للحزب الإشتراكي اليمني بمحافظة تعز الأستاذ أحمد السروري، مداخلة عامة عن الفرق والعلاقة بين مفهوم الإغتيال السياسي والعنف والإرهاب ، بالإضافة إلى مداخلات من بعض الحاضرين بخصوص موضوع الندوة.