المواطن / متابعات
في مشهدٍ بدا لكثيرين أشبه بالسوريالي، انطلق، في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، دوري كرة القدم النسائية بالسودان، بمشاركة 21 نادياً من مختلف مُدن البلاد، لكن في الواقع ظلّ هذا الدوري قائماً في عهد الرئيس المخلوع، عمر البشير، وكان حصرياً على سيدات العاصمة الخرطوم دون نساء المدن الأخرى.
الإخواني عبدالحي يوسف كفّر وزيرة الشباب والرياضة لتنظيمها دورياً نسائياً لكرة القدم
ورغم أنّ بعض فعالياته كانت تغطيها الصحف، إلا أنّها لم تكن تحظى بزخم كبير، كالذي حدث بعد الثورة؛ حيث افتتحت الوزيرة الشابة، ولاء البوشي، الدوري وأُعلن عنه عبر الإعلام، ونقلت مبارياته عبر الفضائيات، وسُمح للرجال بالدخول وتشجيع اللاعبات، جنباً إلى جنب النساء على المدرجات، الأمر الذي أثار حفيظة رجل الدين الإخواني المتشدّد، عبد الحي يوسف، الذي كان أفتى لعمر البشير بقتل ثلث الثوار المعتصمين أمام القيادة العامة من أجل أن يعيش الثلثَان الآخران بسلام، ناسباً ذلك إلى المذهب المالكي، فكفّر الوزيرة، واصفاً إياها بأنّها “لا تؤمن بما يؤمن به هو وأنصاره، بل بأفكار حزبها الجمهوري وقائده المرتد”، يقصد شهيد الفكر، الأستاذ محمود محمد طه، الذي أعدمه جعفر النميري بتحريض من الإخوان المسلمين وزعيمهم حسن الترابي، العام 1985.
الوزيرة تفتتح المباراة الأولى للدوري النسائي
الحكومة إلى جانب الوزيرة
وكانت هيئة علماء السودان، التي كانت إحدى أذرع نظام البشير وحزب المؤتمر الوطني الإخواني، قد ابتدرت حملة سياسية ضدّ حكومة حمدوك ووزيرة الشباب والرياضة؛ إذ قال رئيسها، محمد عثمان صالح: إنّ “قوى الحرية والتغيير تعمل على برنامج واضح يسعى إلى علمنة الدولة السودانية، عبر تغيير سلوك المجتمع السوداني، في عاداته ولبسه، وصولاً إلى المعتقدات الدينية”، ثمّ أفسح المجال لنائبه، عبد الحي يوسف، ليكفّر الوزيرة ويصفها بالمرتدة، ويشنّ حملة شعواء على الحكومة الانتقالية، ويحرّض عليها أتباعه، ما اضطر الوزيرة إلى تقديم بلاغ ضدّه لدى النائب العام، في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الوزراء، على لسان وزير الإعلام والناطق الرسمي باسمه، فيصل محمد صالح؛ بأنّ القضية ليست شخصية وإنّما قضية عامة، موضحاً أنّ المجلس وجّه وزارة العدل باتخاذ الإجراءات اللازمة لإظهار هذا التضامن.
من جهته، هاجم وزير الشؤون الدينية والأوقاف في حكومة حمدوك، نصر الدين مُفِرحْ، عبد الحي يوسف، ووصفه بـ “المثير للفتن والمحرض على القتل وسفك وإهدار الدماء”، وكشف اتجاه وزارته لوضع قانون لضبط الخطاب الديني في المساجد والمنابر المختلفة، مشيراً إلى أنّ القانون لن يتضمن عقوبات، كالسجن أو التعنيف، وإنما ستكون أقصى عقوبة له الإيقاف عن ممارسة الخطابة من على المنابر.
ازدواجية التكفير
في هذا السياق؛ تقول الباحثة السياسية، نجوى إبراهيم النيل إنّ كرة القدم النسائية قديمة في السودان، وقد نظّم أول دوري في بداية سبعينيات القرن الماضي، مشيرة في حديثها لـ”حفريات” إلى أنّ السودانية منيرة رمضان عملت، بين عامي 1975 و1980، حكماً رئيساً لمباريات كرة القدم الرجالية، وقد كانت السودانيات وقتها يمارسن، إلى جانب كرة القدم، كلّ الرياضات الأخرى، الجماعية والفردية، مثل: السلة والطائرة والسباحة والعدو، وغيرها، لكن ما إن حرّض الإخوان المسلمون الرئيس الأسبق، جعفر النميري، لتطبيق ما سُمي وقتها بقوانين الشريعة الإسلامية، حتى أوقفت هذه الأنشطة، إلى أن اضطرت حكومة البشير إلى السماح للنساء بممارسة هذه الرياضة تحت ضغط الاتحاد الدولي لكرة القديم (فيفا)، وظلّ الاتحاد السوداني لكرة القدم ينظّم منافسات نسائية على مستوى محدود في العاصمة الخرطوم؛ حيث لا تسلط عليها كثير من الأضواء، ولا يعكس إلا في حيّز إعلامي محدَّد.
الحكم منيرة رمضان 1975
ولفتت النيل إلى أنّ عهد عمر البشير، العام 2015، شهد بروز أول مدربة سودانية لناد رجالي، وحينها لم تنبس هيئة علماء السودان ببنت شفة، فظلت المدربة سلمى الماجدي تتجول بين الأندية الرجالية، فدربت أشبال نادي الهلال، أحد أكبر وأعرق الأندية السودانية، كما دربت نادي الأهلي، بمدينة القضارف شرق السودان، موضحة أنّ ما أثير من جدل ولغط وتكفير للوزيرة مسألة سياسية وليست دينية، وتساءلت: إذا كانت دينية لِمَ لَمْ يكفر عبد الحي يوسف وزراء الرياضة إبان حكم البشير حين كان يتولى منصب نائب رئيس هيئة علماء السودان؟
هل الدوافع دينية فعلاً؟
من جهته، قال حامد نورين، المحلل السياسي والباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي بالسودان، إنّ “عبد الحي يوسف يحاول إخافة الحكومة الجديدة، بإثارة مثل هذه الأمور؛ حيث يخشى من محاكمته ومساءلته، أو على الأقل، فقدانه للامتيازات الكبيرة التي كان البشير يغدق عليه بها من أموال وقنوات فضائية ومسجد كبير ومجمع فقهي، يحمل اسم “خاتم المرسلين”، بضاحية جبرة جنوب الخرطوم”.
نجوى إبراهيم النيل: كرة القدم النسائية قديمة في السودان ونظّم أول دوري في بداية سبعينيات القرن الماضي
وأكد نورين في حديثه لـ “حفريات” أنّ الرجل كان أحد أبرز العلماء المقربين من البشير، وكان له تأثير كبير عليه، و”هذا ما يخشى منه؛ حيث تدور حوله شبهات فساد كبيرة، خاصة بعد أن صرّح البشير من وراء قفص الاتهام بأنّه تبرّع للشيخ بآلاف الدولارات، كما تلقّت قناة طيبة التابعة له، عبر أعوام طويلة، مبالغ مالية كبيرة من ديوان الزكاة، كان آخرها العام 2018″، وقد برّر حينها، بحسب نورين، الأمين العام لديوان الزكاة محمد عبد الرازق هذا الدعم السخي، “بأنّه يأتي في إطار نشر فقه الزكاة، وعكس أنشطة الديوان في المركز والولايات، فيما امتدح عبد الحي يوسف الدور الكبير الذي يبذله الديوان في تطهير أموال الأغنياء وتطبيق شعيرة وفريضة الزكاة، حتى أصبحت تجربة فريدة يحتذى بها في الدول العربية والإسلامية”.
أمير المؤمنين!
يواصل نورين حديثه: لا شكّ في أنّ عبد الحي يوسف سيفقد تدريجياً كافة هذه الامتيازات، بل وربما يقدم إلى المحاكمة بتهمتَي الفساد والإرهاب، لذلك يحاول أن يشغل الرأي العام بأمور جانبية مفتعلة، حتى يتسنى له (أخذ نفس عميق)، والتفكير بتدابير أخرى، ربما يكون الهروب إلى خارج السودان أحد الخيارات المطروحة، خاصة أنّه صار مهدداً للسلم الاجتماعي والأمن القومي داخل السودان وخارجه، فقد زار ليبيا عدة مرات سراً، بحسب المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، الذي اتهمه بتمويل وتدريب عناصر تنظيم داعش بليبيا، وبأنّه جزء من تنظيم القاعدة.
ويوضح نورين أنّ يوسف اعترف أنّه زار ليبيا بالفعل، لكن أنكر أن يكون له علاقة بداعش، وإنما كانت زياراته بدعوة من الشيخ الصادق الغرياني، مفتي ليبيا، “إلا أنّ كلّ الحيثيات والوقائع والبراهين تشير إلى أنّ الرجل له صلة وثيقة بداعش والقاعدة؛ حيث صلى ومريديه، العام 2011، صلاة الغائب على روح الإرهابي أسامة بن لادن، وكفّر كلّ من يتخذ ضده موقفاً سلبياً أو يفرح لوفاته، وأثنى عليه ووصفه بالبطولة والشجاعة وبالمجاهد الأكبر”.
وأكّد نورين أنّ تكفير عبد الحي للوزيرة ولاء البوشي، “لا يعدو كونه محاولة لصرف الأنظار عمّا يواجهه من اتهامات بالإرهاب والفساد”، وأنّ دعوته لمناصريه، يوم الجمعة الماضي، بتقديم البيعة له أميراً للمؤمنين، وضعت البلاد كلّها في خطر شديد، وعدّها مهددة للأمن القومي والسلم الاجتماعي بشكل مباشر وصريح