المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
ملف 1 أيار – ماي يوم العمال العالمي 2019 – سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي
الفقر:
يعرّف البنك الدولي الفقر بأنه: “عجز الفرد عن تحقيق الحد الأدنى من المستوى المعيشي”.
يختزل هذا التعريف الفقر في بعد واحد وهو الجانب المعيشي المباشر, ويغفل عن الحاجات الإنسانية المتصلة بالتعليم والصحة والخدمات العامة والرعاية الاجتماعية وصولاً إلى المشاركة السياسية والحاجات المعنوية.
لقد تجاوزت نسبة الفقر في اليمن في عام 2009م حاجز الـ (60%)[87] واستمرت في خط تصاعدي حتى وصلت اليوم إلى (90%) وفقاً لتقارير صحفية.
عادةً, تعتمد الاحصائيات في قياسها لنسبة الفقر وفقاً لمؤشر خط الفقر الدولي, أي نسبة السكان ممن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
هذا المقياس مضلل, لأنه يعتمد على نسبة الفقراء من إجمالي عدد السكان, بينما لا يتم قياس معدل الثراء.
إن قياس معدل الثراء في مقابل قياس معدل الفقر سيعطينا صورة واضحة عن معدل التفاوت الاجتماعي.
يشير معهد تشاتام هاوس[88] إلى أن أقلية لا تتجاوز (8%) من السكان تسيطر على (90%) من الثروة الوطنية.
وثمة مؤشرات تدل على تفاقم التفاوت الاجتماعي في اليمن, إذ تعيش أقلية عددية في بحبوحة من العيش والبذخ وشتى مظاهر الاستهلاك الترفي وتمتلك العقارات والشركات والمصارف والأرصدة البنكية في الخارج, في مقابل أكثرية تعاني من تدهور القدرة الشرائية وسوء التغذية وتعيش في أحياء عشوائية مكتظة بالسكان وتفتقر إلى خدمات النظافة والصرف الصحي والمياه النظيفة.
التدهور المستمر للأجور:
على الرغم من أننا نسمع بين الفينة والأخرى عن قرارات تصدرها الحكومة تقضي بزيادة الأجور, إلا أن هذه الزيادة تظل زيادة اسمية أكثر منها حقيقية, فالملاحظ أن الأجور الحقيقية في انخفاض مستمر منذ عقدين ونصف على الأقل.
ولتوضيح ذلك لابد من التمييز بين الأجر الاسمي, والأجر الفعلي, فالأجر الاسمي هو مقدار ما يحصل عليه العامل من مبالغ نقدية (أجرة) مقابل ما يؤديه من أعمال, في حين يعبر الأجر الفعلي عن القوة الشرائية التي يحصل عليها العامل بهذا الأجر, أي مقدار السلع والخدمات التي يستطيع شرائها من أجره النقدي لإشباع حاجاته.
يتأثر الأجر الاسمي بمجرد حدوث تضخم وارتفاع الأسعار حيث تنخفض قيمته الحقيقية وبالتالي تنخفض القدرة الشرائية.
لقد أدت سياسات الاصلاح الاقتصادي واعتماد نهج الخصخصة, ورفع الدعم عن السلع الغذائية إلى تدهور متسارع في القيمة الفعلية لأجور العمال, الأمر الذي أدى إلى تقلص النفقات المادية وانعكاس ذلك على تزايد سوء الأحوال المعيشية لهم ولأسرهم.
إن هيكل الأجور في اليمن مجحف وبشكل صارخ, فقد أبان حجم توزيع الأجور عن درجة عالية من انعدام المساواة, فنسبة (23.8%) من إجمالي العمال يكسبون أقل من ثلثي متوسط الدخل الشهري والمحتسب (35.000 ريال = 70 دولاراً حالياً!) [89] وهو أجر هزيل لا يفي بالمتطلبات الأساسية للعيش!
في حين, توجد امتيازات أو ما يعرف ببنود الأجور غير الثابتة كالبدلات والمكافآت والحوافز وغيرها, التي تمنح للمشرفين والمدراء والمسؤولين الكبار وبأرقام عالية, بينما لا يحصل العمال والموظفون الصغار إلا على الفتات.
الهجرة:
تمثل الهجرة بنوعيها: الداخلية والخارجية الوجه اللامرئي الآخر للبطالة. فالهجرة خيار اضطراري للمعطلين الذين فقدوا الأمل في الحصول على فرص عمل في موطنهم, فيضطرون إما إلى الهجرة داخل الوطن, أو الهجرة إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل تؤمن لهم ولأسرهم لقمة العيش.
الهجرة الداخلية:
تنشأ بدرجة رئيسية عن هجرة العمال الريفيين إلى المدن, بسبب تدهور الزراعة, ومحدودية فرص العمل في الريف, وافتقاره (أي الريف) إلى المقومات الأساسية للعيش مثل الغذاء والمياه والتعليم والصحة والكهرباء والطرق.
واتخذت هجرة العمال الريفيين إلى المراكز الحضرية بما يشبه موجات نزوح قسرية, أثرت سلباً على البنية الحضرية وخلقت مظاهر عديدة من التشوهات: نمو المناطق العشوائية وأحياء الصفيح في أطراف المدن, وتتسم هذه المناطق بافتقارها للتخطيط العمراني والحضري, والاكتظاظ السكاني مما يسبب ضغطاً على الخدمات, وتدهور مستوى معيشة القاطنين فيها, وارتفاع معدلات الجريمة والانحراف.
ناهيك عن ضعف الاندماج الاجتماعي للمهاجرين الريفيين وتمسكهم بالروابط القروية والأسرية, فقد لوحظ أن توطن المهاجرين الريفيين في المراكز الحضرية يتخذ طابعاً مناطقياً, فأبناء قرية ما يتجمعون في منطقة أو منطقتين في المدينة التي يهاجروا إليها, ويتحوصلون حول أنفسهم, ويظلون متمسكين بالروابط السابقة وبالعادات والتقاليد الريفية القديمة, ويقاومون عملية الانصهار والاندماج في المجتمع الجديد وفي الفضاء الايكولوجي للمدينة التي يفدون إليها.
الهجرة الخارجية:
عجز العمال عن الحصول على فرص عمل لائقة داخل وطنهم تدفعهم إلى التفكير في الهجرة إلى خارج البلاد, وعلى وجه الخصوص دول الخليج, للبحث عن ظروف عمل أفضل وأجور أعلى.
تتخذ حركة الهجرة الخارجية شكلين:
الهجرة الغير الشرعية:
تشتهر في اليمن باسم “التهريب” وتشكل النسبة الأكبر في حركة الهجرة إلى دول الخليج, حيث يجازف الشباب المعطَّل عبور الحدود اليمنية السعودية مع ما تحمله هذه المجازفة من مخاطر على حياتهم. فمصير الكثيرين ينتهي إلى الموت برصاص حراس الحدود, ومن يحالفهم الحظ ويتمكنون من الدخول إلى السعودية, غالباً ما يظلون يعملون في خفية من السلطات السعودية, ويتركز هؤلاء في المناطق والمدن الجنوبية السعودية, لتبدأ معها فصول درامية هروباً من ملاحقات السلطات الأمنية السعودية, ولكن غالباً ما يقعون في قبضتها, ويتعرضون للمعاملة المهينة ومن ثمّ يتم ترحيلهم.
الهجرة الشرعية:
تشير الاحصائيات إلى أن نسبة العمال المهاجرين الشرعيين تفوق (20%) من إجمالي القوى العاملة, وتتركز الغالبية العظمى في دول الخليج وبشكل أكثر تحديداً في المملكة العربية السعودية.
يُسمح الدخول للعمال اليمنيين إلى السعودية عبر ما يسمى “الفيزا” أو “تصريح إقامة”, وعلى الرغم من ذلك يُفرض عليهم نظام الكفيل, ويُحرمون من حقهم في التملّك, كما يعانون من قيود إدارية وإهدار لحقوقهم, وغياب قانون ينظّم علاقتهم بالكفلاء وبأرباب العمل, وفرض رسوم وضرائب باهظة, والتعرّض للمعاملة المهينة من قبل الكفلاء.
ويظل مصير العمالة المهاجرة في الخليج مرهوناً بتطورات الوضع السياسي, وتحسن أو تأزم العلاقة بين الحكومة اليمنية والحكومات الخليجية, ففي مستهل تسعينات القرن المنصرم وأثناء حرب الخليج الثانية, وعلى خلفية موقف الحكومة اليمنية من الحرب, أقدمت دول الخليج على ترحيل ما يزيد عن مليون عامل يمني, وقد أحدثت عودة هذا الكم الهائل من العمال أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.
أما بالنسبة لوضع العمال المهاجرين إلى دول في أمريكا الشمالية وأوروبا وشرق آسيا وجنوب شرق أفريقيا فهو أفضل نسبياً عن غيرهم.
تعتبر العمالة المهاجرة جزءاً لا يتجزأ من الطبقة العاملة الوطنية؛ لسبب بسيط أن جزءاً كبيراً من دخولها يتم تحويلها إلى الأسر اليمنية في داخل الوطن ويتم إنفاقها في شراء المواد الغذائية والاستهلاكية وبالتالي فهي تحتسب ضمن الدخل المحلي الإجمالي.
وعلى كل حال تمثل الهجرة الخارجية إحدى الاختلالات البنيوية في الاقتصاد التابع, وهي إدانة للنهج النيوليبرالي الفيروسي وللسياسات الرسمية التي ألغت حق المواطن في الحصول على فرصة عمل في بلده, فيضطر تحت ضغط المعيشة لمغادرة وطنه ومفارقه أهله وأطفاله, ومكابدة معاناة الغربة من أجل تأمين حياة كريمة لأسرته.
الاستثمار الأجنبي والعمالة الأجنبية:
تدأب الطبقة المسيطرة وشرائحها الطفيلية والكمبرادورية على أسطرة الاستثمار الأجنبي, وتقدمه في صورة المنقذ من الأزمات الاقتصادية, وبناءً على ذلك تسعى إلى تهيئة المجال الوطني أمام الاحتكارات الأجنبية وإطلاق العنان لها.
وفي الوقت الذي يُمنح الاستثمار الأجنبي حرية شبه مطلقة, ويُعفى من الضرائب, ويحظى بامتيازات وتسهيلات كثيرة, يُحرَم الاستثمار المحلي من كل ذلك!
وتفسير هذه المفارقة ينطوي على بعدين:
الأول: طبيعة وعمق المصالح المشتركة التي تجمع الاحتكارات الأجنبية بالشريحة الطفيلية اللصة التي لا تتورع عن خيانة شعبها ووطنها, وتبرم صفقات مشبوهة مع الاحتكارات الأجنبية.
والثاني: عقدة النقص التي تتملك النخبة الحاكمة يفضي بها إلى المراهنة على الاستثمار الأجنبي بشكل مبالغ فيه, في مقابل تبخيس قيمة الذات والتسليم بعجزها عن تحمّل أعباء النهوض المطلوب.
شكّل الاستثمار الأجنبي إحدى ميكانيزمات سيطرة الرأسمال الاحتكاري المعولم على اقتصاديات البلدان النامية.
وتسبب ولا يزال في خلق نتائج مدمرة بالاقتصاد الوطني وبالطبقة العاملة بسبب تناقض أهدافه وأجندته تناقضاً صارخاً مع متطلبات التنمية الوطنية. فالاستثمار الأجنبي يفضّل الاستثمار في قطاعات هامشية: كالخدمات والسياحة والعقارات والمضاربات المصرفية, أو في مجالات استخراج النفط والغاز, ويعزف عن الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقي: في الصناعة والزراعة والموارد البشرية.
ومن بين النتائج السلبية المترتبة عن الاستثمار الأجنبي غير المنضبط:
تكريس وتعميق حالة التبعية الاقتصادية وإغراق السوق الوطنية بالسلع الاستهلاكية المستوردة.
استنزاف الموارد والثروات والعملات الصعبة وتسربها إلى الخارج.
التسبب بإغلاق الكثير من المؤسسات العامة وتسريح الألوف من العمال وارتفاع معدل البطالة.
ارتفاع معدل التضخم وتدهور معيشة السكان.
نشوء نمط من الفساد الكبير, ويتمثل في قيام البيروقراطية الحاكمة بإبرام صفقات مشبوهة مع ممثلي الشركات الأجنبية تمس المصالح الوطنية, مقابل الحصول على نسبة من الفوائد أو الدخول كمساهم في هذه الاستثمارات. وللتدليل سنشير إلى مثالين صارخين:
الأول: الصفقة التي أبرمتها الحكومة اليمنية مع شركة “توتال” الفرنسية عام 2005م, التي بموجبها بِيْعَ الغاز اليمني بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية ، فيما كانت أسعار السوق آنذاك تتراوح ما بين 11 و12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
والمثال الثاني: إبرام الحكومة اليمنية صفقة مع شركة موانئ دبي العالمية في نوفمبر عام 2008م بغرض تأجير ميناء عدن وإعادة تأهيله. وقد شابت هذه الصفقة الكثير من الثغرات القانونية وأثارت ضجة واسعة في مختلف الأوساط حينها.
ناهيك عما سبق, يلحق النشاط الاحتكاري الأجنبي أضراراً بالعمالة الوطنية, فهي ضحيته الأولى, ويمكن تبيان ذلك من زاويتين:
الأولى: يتم تشغيل العمالة الوطنية في الشركات الأجنبية ــ وعلى وجه خاص العمالة غير الماهرة ــ بأجور زهيدة, وفي ظروف عمل قاسية, وبدون حماية قانونية.
الثانية: يتم استقدام وتشغيل العمالة الأجنبية وبأجور منخفضة وبساعات عمل طويلة وعلى حساب العمالة الوطنية.
إن الشركات الاحتكارية فوق القومية قوة دولية, وتستغل العمالة الوطنية وغير الوطنية, على السواء. وانطلاقاً من ذلك تنطرح على جدول أعمال الطبقة العاملة ومجموع الحركة العمالية اليمنية إقامة الصلات الوثيقة مع عمال وشغيلة العالم, لأن المصير واحد ورب العمل المستغل واحد.
يُتبع…
الهوامش والإحالات:
[87] راجع: تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2009م.
[88] راجع: بيتر سلزبري, اقتصاد اليمن: النفط والواردات والنخب, معهد تشاتام هاوس, ورقة بحثية, أكتوبر 2011م.
[89] راجع: مسح القوى العاملة 2013/ 2014م.
Tweet
Share
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
Phome
الموقع الرئيسي | الموقع الرئيسي للكاتب-ة
الموقع الرئيسي
هيئة ادارة الحوار المتمدن – للإتصال بنا
إحصائيات مؤسسة الحوار المتمدن
الارشيف
قواعد النشر
ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن
يوتيوب التمدن
مكتبة التمدن
عدد الزوار: 2,098,378,338
الاعلانات في الحوارالمتمدن
شارك برأيك / رأيكم مهم للجميع
اضافة موضوع جديد
اضافة الاخبار
حملات الحوار المتمدن التضامنية أخبار عامة
وكالة أنباء المرأة
اخبار الأدب والفن
وكالة أنباء اليسار
وكالة أنباء العلمانية
وكالة أنباء العمال
وكالة أنباء حقوق الإنسان
اخبار الرياضة
اخبار الاقتصاد
اخبار الطب والعلوم
اخبار التمدن
إضافة يوتيوب-فلم إلى يوتيوب التمدن
إضافة كتاب إلى مكتبة التمدن