المواطن/ كتابات – عيبان محمد السامعي
استمراراً للحلقات السابقة, تتناول الحلقة الرابعة من هذه الدراسة واقع الحركة النقابية العمالية في الشطر الجنوبي خلال الفترة (1967 – 1990م):
الحركة النقابية في الشطر الجنوبي خلال الفترة (1967 – 1990م):
بُعيد تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م, والذي كان للحركة العمالية وللحركة النقابية إسهام وافر في تحقيقه, جرى تغيير اسم المؤتمر العمالي إلى الاتحاد العام لعمال اليمن الجنوبية [56], وضم في إطاره (8) نقابات عامة بعد توحيد كياناتها, وشكلت له فروع في مختلف المحافظات.[57] وأصدر صحيفة صوت العمال كصحيفة ناطقة بلسان حال الاتحاد.
تحققت للحركة العمالية الجنوبية مكاسب كبيرة سواءٌ على مستوى التشريع, أم على المستوى المعيشي؛ بفعل التوجه التقدمي للنظام الحاكم في اليمن الديمقراطي, فالتنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية (1968 – 1978م) ولاحقاً الحزب الاشتراكي اليمني (1978 – 1990م) قد عرّفا نفسيهما كتنظيمين سياسيين للطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين والكادحين والمثقفين الثوريين, واعتمدا الاشتراكية العلمية كنظرية لقيادة الدولة والمجتمع, وعلى أساس برنامج راديكالي للتحويل الوطني الديمقراطي في مختلف المجالات.
جرى تنفيذ جملة من الاجراءات “الثورية”, أبرزها: الإصلاح الزراعي, وتأميم الشركات والملكيات الأجنبية والمحلية, واعتماد سياسة اقتصادية وطنية متحررة من هيمنة الرأسمال الأجنبي, وتحويل الاقتصاد الوطني من اقتصاد خدمات إلى اقتصاد انتاجي ممركز بيد الدولة, والتوسع في إقامة المشاريع التنموية وفي البنية التحتية, وتحقيق العدالة الاجتماعية, والارتباط بالمنظومة الاشتراكية الأممية.
كان لهذه الإجراءات نتائج ايجابية في رفع المستوى المعيشي للسكان وللطبقة العاملة, وتوفير الخدمات العامة المجانية: التعليم والطبابة والرعاية الصحية والكهرباء والإسكان… إلخ, وتوسيع القاعدة العمالية, والقضاء على شتى أشكال الاستغلال الاقتصادي والتمييز الاجتماعي, وتمكين العمال من المشاركة الفاعلة في قيادة العملية التنموية وإدارة المؤسسات الانتاجية, وإشراك المرأة بصورة فعالة في العملية الاقتصادية والانتاجية وفي قيادة الدولة.
ورغم كل هذه المنجزات, فقد شابت تجربة اليمن الديمقراطي الكثير من الأخطاء وأوجه القصور, التي تحتاج إلى دراسة مستقلة, وسنقصر الحديث على خطأين اثنين:
الخطأ الأول: يتعلق بعملية التأميم, فقد اتخذت طابعاً متطرفاً؛ إذ وصلت إلى حد تأميم الملكيات الصغيرة, الأمر الذي انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي وجمود الحركة العمرانية وأنتج حالة من الجمود والتكلس والبيروقراطية.
الثاني: الشمولية وحكم الحزب الواحد, فقد فرضت السلطة سيطرتها المطلقة على المجال السياسي, وعلى العمل النقابي, متخذةً أسلوب النقل الميكانيكي للتجارب النقابية في البلدان الاشتراكية. وقد ظهرت المنظمات الجماهيرية عموماً ومنها النقابات كملحق بالدولة والحزب وبذلك افتقدت لروح المبادرة والاستقلال. وتوطدت داخل قيادة الحركة النقابية نفسية الاعتماد على قوة الحزب الحاكم.[58]
دور التيار الماركسي في تثوير وعي الحركة العمالية وفي النضال الوطني:
يتسرب الوعي الثوري للطبقة العاملة من خارجها, من المثقفين الثوريين والحزب السياسي الطليعي.
ولقد كان التيار الماركسي والذي عُرف باتحاد الشعب الديمقراطي منذ 22 أكتوبر 1961م بزعامة المناضل عبدالله عبدالرزاق باذيب, بمثابة الإشعاع التنويري التثويري للطبقة العاملة ولحركتها النقابية.
فقد كانت صحيفة الأمل, التي أصدرها عبدالله باذيب وترأس تحريرها, منبر العمال وصوتهم الصادح, وساهمت في إذكاء الوعي العمالي والطبقي والوطني في صفوف الحركة العمالية.
وقد صدر عن اتحاد الشعب الديمقراطي وثيقة برنامجية هي “الميثاق الوطني” وتحت شعار “نحو يمن حر ديمقراطي موحد”, إذ أعلن اتحاد الشعب أنه يناضل من أجل التحرر الوطني, والوحدة اليمنية الديمقراطية, ومن أجل الاسهام في بناء الوحدة العربية على أسس صحيحة. واستند الحزب في تحديد المهمات المطروحة إلى خصائص الوضع في البلاد وطبيعة مرحلة النضال التي تمر بها, مسترشداً في ذلك بمبادئ الاشتراكية العلمية.
ودعا اتحاد الشعب إلى مساندة الحركة الوطنية الشعبية الديمقراطية المعادية للاستعمار والاقطاع والرجعية المحلية, وضد التجزئة المفروضة على الشعب اليمني, كما أشار الميثاق إلى أن الاستعمار هو العدو الرئيسي والأشد خطراً الذي يحتل الجنوب ويرعى جميع قوى التخلف ويعيق توحيد الشطرين.
كما دعا إلى النضال ضد الاستعمار وركائزه من السلاطين والحكام الاقطاعيين, وأشار إلى الوضع في شمال البلاد داعياً إلى وحدة النضال الوطني ضد الاستعمار وقوى الاقطاع والسلاطين في الجنوب وضد النظام الامامي الكهنوتي في الشمال.
لقد مثلت وثيقة الميثاق الوطني محاولة جدية لإجراء تحليل موضوعي للوضع في جنوب وشمال اليمن ومهام النضال الوطني من مواقع الاشتراكية العلمية.[59] وعبرت تعبيراً صادقاً عن وعي اتحاد الشعب بالظروف الموضوعية للمنطقة وطبيعة المرحلة التاريخية, ولم نلمح في البرنامج اتجاهاً إلى الطفولة اليسارية أو القفز على المرحلة, بل عرض البرنامج موضوع الوحدة الوطنية وطبيعة المهام الوطنية عرضاً موضوعياً.[60]
في أواخر عام 1961م أسس الماركسيون اليمنيون إلى جانب اتحاد الشعب منظمة احتياطية لهذا الحزب: المنظمة المتحدة للشباب اليمني, وهي تنظيم شبيبي ثقافي واجتماعي ديمقراطي برئاسة الشهيد عبدالله عبدالمجيد السلفي أحد القيادات العمالية البارزة آنذاك. اضطلعت المنظمة المتحدة للشباب اليمني بدور ثقافي ــ تنويري في أوساط الشبيبة لتوحيد صفوفها وربطها بالحركة الوطنية, ونظمت محاضرات, ومناقشات سياسية, وفتحت صفوف دراسية مجانية لتعليم الكبار ومحو الأمية, ومثلت المنظمة شبيبة اليمن الجنوبية في الندوات العالمية, كما ساعدت الشبان اليمنيين في الحصول على منح دراسية في الاتحاد السوفيتي.[61]
لاقى الماركسيون اليمنيون قمعاً واستهدافاً كبيرين من قِبل الاستعمار وأعوانه, بل وحتى من قِبل بعض فصائل العمل الوطني ذات الاتجاه القومي!
ومن تلك الاستهدافات والقمع: قيام السلطات الاستعمارية في عدن بمحاكمة عبدالله باذيب, بسبب مقال كتبه بعنوان (المسيح الجديد يتكلم الانجليزية), الذي نشر في صحيفة “النهضة” عام 1955م, ورد فيه على الدعوات المشبوهة التي تنادي بالسلام والمحبة والتآخي الطبقي والسياسي بين الجماهير الشعبية والقوى الاستعمارية والأجنبية والرجعية المحلية, والتي برزت مع نهوض الحركة الوطنية ونضالها من أجل التحرر من الاستعمار وسيطرة الشركات الأجنبية بهدف طمس الصراع الطبقي والسياسي. ولكن تحولت المحاكمة إلى محاكمة للمستعمرين وشركاتهم الاستعمارية, الذي وصفهم عبدالله باذيب, في قاعة المحكمة “بمصاصي دماء الشعوب”, كما تحولت, أيضاً, إلى تظاهرة سياسية شعبية, نظمتها القوى الوطنية والهيئات الشعبية تأييداً للكاتب ودفاعاً عن القضايا التي أثارها في مقاله.[62]
وفي 28 أبريل 1966م اغتيل رئيس نقابة عمال وموظفي البنوك ورئيس منظمة الشبيبة المناضل الثوري عبدالله عبدالمجيد السلفي. وقد كان لهذا الحادث تداعيات كبيرة, فقد عمت المظاهرات الجماهيرية في عدن وفي معظم المحميات وفي حضرموت.[63]
بُعيد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م, وإثر سيطرة الجبهة القومية على المشهد السياسي وإعلانها كممثل وحيد لليمن الجنوبية, اضطر عبدالله باذيب ورفاقه أن يبتكروا تسمية جديدة لتنظيمهم السياسي وأسموه (رفاق الشهيد السلفي) بحيث لا توحي التسمية الجديدة على وجود تنظيم سياسي, وقد أصدرت هذه المجموعة في يناير 1968م برنامجاً تحت شعار (من أجل يمن حر ديمقراطي موحد)[64] دعت فيه إلى إطلاق الحريات الديمقراطية, وحذرت من الاستئثار بالعمل الوطني واحتكار العمل السياسي وحرمان أي فصيل ثوري من ممارسة حقه في النشاط والعمل الثوري, كما دعت إلى إطلاق الحريات النقابية وتشكيل مجلس شعبي يضم ممثلين عن جميع القوى والفصائل الثورية والوطنية.
تتناول الحلقة القادمة الحركة النقابية في شمال الوطن خلال الفترة (1961 – 1990م)
يتبع…
الهوامش والإحالات:
[56] وفي فترة لاحقة تغير الاسم أيضاً إلى الاتحاد العام لعمال جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
[57] قبسات من تاريخ الحركة النقابية اليمنية, صحيفة صوت العمال, العدد (1917), 1 مايو 2013م.
[58] بتصرف: عبده سلام عبده، وعبدالجليل عثمان الأكحلي, ورقة مقدمة للندوة التي نظمتها منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة تعز, بتاريخ 9/5/2012م.
[59] فيتالي ناؤومكين, مرجع سابق, ص65.
[60] د. أحمد عطية المصري, النجم الأحمر فوق اليمن, مؤسسة الأبحاث العربية, لبنان, ط3/ 1988م, ص108.
[61] فيتالي ناؤومكين, مرجع سابق, ص66.
[62] د. سيف علي مقبل, من تاريخ الحركة الوطنية اليمنية (منتصف الخمسينات من القرن العشرين ــ 1967م), دار عبادي, صنعاء, ط1/ 2004م, ص183.
[63] عمر الجاوي, مرجع سابق, ص83.
[64] عبدالله مرشد, مرجع سابق, ص 223- 224.