المواطن/ كتابات – طه العزعزي
حقاً هذا هو حال المدنيين المؤسف جداً في اليمن ، حالهم حين يموتون في آخر مطاف حروب المصالح التي يبدأ بها ربما من لايموتون أولاً ، وما قد جرى ويجري إلى الآن دليل جازم وقطعي يبرهن ذلك .
في سياق هذه المأساة نرى بوضوح مدى هذه الحال التي وصل إليها اليمنيين الذين لم يشاركوا في حروب دعى لها طرفي الصراع ( الشرعية ومليشيات الحوثي ) ويمكن أن نسمي هؤلاء بالمدنيين كما تقتضي دلالة الصفة وبرهانيتها ، إنهم مدنيون بطبعهم لابخيالاتهم ووجدانهم اللامحدد في إنتمائه كما هو معروف ، هؤلاء أغلبهم من يموتون في ظل حرب لم تنتهي بعد ، ولم يتم لمس خيط الأفق لتوقع بوادر إنتهائها .
تساهم الأمراض بشكل كبير في الفتك والقتل وكذلك المجاعة ، وهنا نجد أرقام مفجعة لعدد من يموتون في ظل تدهور الوضع الصحي ونقص الحاجة الغذائية في ظل عدم توقف الحرب وإستمرار التجاهل الذي يبديه طرفي الصراع في اليمن ، إنها مأساة كبيرة ، ورحلة مربكة في قتل الإنسان بطرقٍ ثقيلة المعيار والهدف _أردت أن أشير لها هنا في هذا المقال _ يشترك في هذا السحق من يقومون بإذكاء نار الحرب ونفخها مجدداً حتى لا تطفئ ولا يتوقف شررها.
في حوادث كثيرة يسحق فيها المدنيون على نحو صارخ ومؤسف ، لأسباب تتعلق بعدم إلتزام المتقاتلين في اليمن والمتدخلين بشؤونه وسيادته بأخلاقيات الحرب ، في هذا السياق نجد الحوثيين بالإضافة إلى عشوائية قصفهم بالقذائف وإطلاقهم للرصاص والصواريخ ، يواصلون سعيهم القذر في زرع الألغام على أكثر من بقعة جغرافية تكون مدىٍ مفتوحاً لحربهم مع الشرعية ، يُكونُ هذا سبباً لموت عديد من المسالمين الذين تأخذهم الحاجة للوصول بأقدامهم إلى أماكن هم لا يعلمون بأنها أماكنٌ لموتهم ، أيضاً وفي هذا السياق نفسه ، سياق التقتيل والتدمير ، نجد أن كثيراً من المدنيين ماتوا على يد قصف طائرات التحالف ، التي كلما وقعت في حادثة بخسة ودموية في الأساس لقتل المدنيين تخرج بكامل إرتباكها لتبرر صحة أن ماحدث لم يكن مقصوداً.
في ظل الحروب كما هو معروف ، يحدث خلل كبير في ميزان الحقوق سواءً تلك التي تتعلق بالمساواتية المناطقية أو الدينية أو السياسية أو غيرها كثير من المساوات الحياتية المعاشة والفكرية ، ومن البين أن نشير إلى مايفعله الحوثيون في صنعاء ( العاصمة التي بين أيديهم ) من تدابير متطرفة تدعم هذا الخلل المؤسف الذي يقوم على إعطاء بيوتات وجماعات بعينها الكثير من الحقوق ووضعهم على كثيرٍ من كراسي ووظائف الدولة وعلى العكس لايعطى لغيرهم مثلما يعطى لهم من هذه الحقوق ، أيضاً بقي أن نشير إلى ماحصل في عدن أثناء إخراج الحوثيين منها ، حيث عمدّ بعض العنصريين الضيقين على السيطرة على أراضٍ تابعة لمدنيين ليس لهم شأن في الحرب ، فقط ذنبهم الوحيد أنهم شماليون. ذلك ماحدث في العاصمة المؤقتة ( عدن ) التي بين أيدي الشرعية .
إذا كان طرفي الصراع يرون أن ضرورة بقاء أحدهما مرهونة بسحق الآخر والقضاء عليه بشتى أنواع الطرق المروعة والموهولة ، فإن أول ما يخطر على الذهن في جلّ هذا السحق ومعمعته الشخص المدني ، الذي لاشك سينال النصيب الأكثر والجرح الأعمق في ظل هذا الإحتراب والتقتيل الحاصل بين طرفي الصراع ، إلى ذلك يكون المدني (المتفرج ) قد فاضت على جانبٍ من ذهنه كمية من الوحشيه التي يرى بأنها ضرورة لبقائه في ظل هذه الحرب ، أي يكون وحشياً للضرورة التي يقتضيها الواقع من حوله ، وهكذا يتم تأهيله وتحويله من شخص مدني إلى محارب يشارك الآخرين في حروبهم ونزاعتهم الشرسة التي تفتك بالإنسان المسالم بشدة يتعجب لها العقل الواعي وتبكي فيها العاطفة الإنسانية .
أتدرون ماهي الحرب الحقيقية من وجهة نظري ، هي أن نموت جميعاً ، أو نحيا جميعاً . أما أن نموت نحن فقط ( من لا نشارككم حمل السلاح ) ، فإن ذلك مخيف ومبكي على نحو صارخ ، وهذه هي بالفعل الحروب الوحشية التي تُبقي في آخر مطافها رؤوس الكبار غالباً الذين عملوا على إشعالها ، وماهو حاصلٌ دليل على ذلك .
طه العزعزي .