ضياف البرّاق
المواطن ـ الثقافي
أنا الكائن الغريب الذي لا أعرفه كثيرًا، الكائن الكافكاوي، الفوضوي على نحوٍ طفولي نادر؛ الذي توحده المتناقضات المتضاربة، وتبعثره النمطية الواحدة؛ لا يعجبني ما أفعله، مزاجي غير مستقر دائمًا، أمقتُ التفاصيل التي تخلو من الحرية، وأنزعجُ من أولئك السكارى الذين لا يرقصون مع الشمس أو مع إيماءات السكون. كل عاداتي مصوبة، في الغالب، نحو الغياب والكآبة، كل دموعي لا تكفي لتحريري من قبضة الشتائم المأساوية التي تنخرُ رأسي حين أرغبُ بالتصالح مع هذا الفراغ الثقيل.
كائن ينتمي للتشاؤم؛ يخافُ مكرَ الأمل، يعطي اليأسَ قيمة إيجابية على الدوام، انطوائي كل ليل، يتعامل مع حركة النهار من بابِ السخرية والندم، لا يرجو من الحياة إلا المزيد من الحب والسجائر.
لا يهمني المستقبل بتاتًا، كما لا يهمني الأمس اللعين، كل ما يهمني هو أن أفهم ملامح اللحظة، وكيف أعيشها بعيدًا عن الأضواء اللامجدية وعنجهية اللاشيء القسري. حقًا، أنا كائنٌ عشوائي جدًا عندما يتعلق الأمر بنفسي، طبيعتي تنزعُ إلى الشكّ الذي لا يشغلني بالآخرين، أعني: ذلك الشكّ الذي يحفّزني على الخوض في دوامة الاختلاف و يدفعني نحو التساؤلات التي لا تشبه الموت ولا الحياة.
علاقتي بالكآبة جيدة طبعًا، هي رفيقتي الدافئة التي لا تخونني البتة، وأنا ظِلّها البنفسجي – هذا الذي كلما حاول أن يرفعَ رأسه مزّقتْهُ الحربُ وخذلتْهُ الأقنعة والمساحيق الناعمة. ومَن لا ينتمي للكآبة، لن ينتمي للخير ولا للحلم. الكآبة أجمل أغنيات الوجود بعد الكتابة؛ وربما ليس من فرق بينهما. إنها الأغنية الوحيدة التي تمنحني الضوء و تجعلني على نبضة واحدة من الجميع. وهي، أيضًا، (أي الكآبة) بحسب تعبير الكائن الجميل “جبران خليل جبران”: ظِلُّ إلهٍ لا يسكنُ في جوار القلوب الشريرة”. فكم هي صادقة ولذيذة، تلك الأرواحُ التي تستمد بريقها وعبقها من ظل الكآبة.
إنني لا أعرف ما الذي يحملني على ممارسة الكتابة باستمرار، كما لا أعرف ما الذي يجبرني على العيش هنا: حيث أموت الآن، وكل يوم! كل ما أعرفه هو أن الحياة ليست من نصيب المساكين، وأن هذه البلاد المعطوبة ليست للطيبين إطلاقًا. كل ما هو جميل في هذا الوجود هو من نصيب الأغبياء والقُساة فحسب.
أنا لا أكتب طبعًا، كما يظن البعض، إنما – فقط – أُمَرِّغُ الموتَ كي لا يراني. بالكتابة أستطيع أن أنجو من شر نفسي، وكذا من شر ما ليس لي. و بها أيضًا: أخفي هشاشتي من ضحكة السقوط و أدفنُ أحلامي التي لا تتحقق.