المواطن/ كتابات ـ رويدا عبد الكافي
في حقبة كان يملؤها الحزن والوجع ويَسودها ظلام حالك، ويعيش خلالها شعبنا اليمني حالة فقر وعناء وتشرّد وبؤس وصراع مع المرض والأوبئة، سطعت أنوار الصين في سماء وطننا كنجم هادٍ لليمنيين تؤشر على طريق قويم للتطور والنماء.
أنذاك، لم تكترث دول العالم لمبدأ الإنسانية في اليمن، ولم يَسمع صراخنا أحد سوى جمهورية الصين الشعبية الشقيقة. ففي 1959 قدّمت الصين الشعبية مساعدات إنسانية لليمن، وابتعثت إلى بلادنا مجموعة من المهندسين الصينيين المحترفين والمعدات والاغاثات الصينية.
شهدت تلك الفترة نشاطاً صينياً -يمنياً متسارعاً ورقياً بالعلاقات بين بلدينا إلى مستوى أعلى وأكثر عمقاً وهدفاً ومعنى، ففي أعمال شق “طريق الحديدة صنعاء” أبلى الصينيون بلاء حسناً، وقدّموا أرواحهم وكل ما يملكون رخيصة لأجل خدمة اليمن والإنسانية، وفي هذه الحالة كان هذا الأمر يعني تقديم مساعدات جذرية وهامة للشعب اليمني،حيث لقي حتفه خلال أعمال هذه المساعدات الأممية الصينية، المهندس البطل(تشانغ تسي شيوا)، مدير عام المشروع آنذاك، وكان آنذاك قد بلغ من العمر 39عاماً فقط، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على اخلاص الصينيين قيادة حزب ودولة ومواطنين ومتخصصين لواجباتهم الاممية نحو اليمن واليمنيين،إذ إننا لمسنا فيهم الوفاء الإنساني الذي لا يحدّه حدود.
بعد وفاة (تشانغ)، لقي مصرعه عدد كبير من زملائه الصينيين، أثناء أعمالهم الشاقة والبعيدة عن وطنهم الصين وعائلاتهم وأطفالهم.. ومن السخف والمضحك وغير اللائق وخطيئة مميتة بمكان،تصديق البعضمن الموتورينوالسطحيين، ممن يدّعون بأن موت الصينيين إنما كان بسبب الجوع الذي تعرضوا له على قمم الجبال التي عملوا فيها!
على أرض اليمن توفي 100 مهندس صيني بسبب وعورة وخطورة الأمكنة والطرق التي كانوا يشقّونها، وبهذا نعتبرهم شهداء الواجب الاممي، فتم دفنهم بكل أبّهة بجوار رفاقهم الذين كانوا يعملون في (مستشفى الثورة) بتعز، وقد أكدت هذا الرقم مصادر يمنية حكومية أشارت إلى تكريمم بدفنهم في ما يُسمّى ب (المثوى الصيني)، وتشييد مَسلّة عالية لتخليد ذكراهم المضيئة أبد الدهور، ولتبقى قصّتهم حاضرة عبر الأجيال اليمنية والصينية، ذلك أنهم التحفوا تراب اليمن التي عشقوها، فقدّموا لها أغلى ما يملكون – أرواحهم – ، ليَشهد تاريخ اليمن والعرب والصين على شجاعتهم وقُدراتهم الاممية الخلاّقة، ووعيهم النضالي والمهني الذي لا مكان له في عالم المال ورأسمالية الشركات الاحتكارية والناهبة لمقدِّرات العالم الثالث والشعوب النامية. .فمن لا يعرف حجم هذه التضحيات التي قدّمتها الصين لشعبنا اليمني، عليه المسارعة لمعرفة ذلك وللمقارنة ما بين هذه التضحيات، وأية “تضحيات!” أخرى يَدّعي بها عالم الجشع الرأسمالي، الذي لا يُعطي بلا مقابل، ولا يُساعد بدون أرباح ضخمة لجيوب أربابه.
وعودة إلى صفحات مآثر الماضي الخالدات، نقرأ بأن الصين أرسلت إلى اليمن مايقارب400 مهندس،أو ما يزيد عنهم كعمال وفنيين ومهندسين واستشاريين، وتم توزيعهم كالتالي:
100 مواطن صيني في باجل التابعة لمحافظة الحديدة حالياً.
100 مواطن صيني في الحديدة، بالميناء، وفي بعض الجُزر.
150 مواطن صيني تم توزيعهم على مناطق تهامه حتى باب المندب جنوباً.
وفي عام 1960، أي بعد سنة واحدة فقط من إرسال الكوادر التي نحن بصددها أعلاه، إزداد عدد الخبراء الصينيين المرسلين إلى اليمن، من 400 إلى 800، فتوزّعوا على شق طريق صنعاء الحديدة، والبعض منهم اتجهوا إلى تشغيل مصنع الغزل والنسيج واشتغلوا بمشاريع أخرى،فأحدثوا نقلة نوعية لليمن كنتاج صيني باهر،كشق الطرقات وإقامة مشاريع ومصانع عدة تلبي احتياجات شعبنا.
في تاريخ اليمن عمّ الحزن وطننا بأسره، وخيّمت مشاعر الأسى على كل عائلة من عائلات اليمنيين، إذ كان الخجل يرتسم على وجوه أصحاب الجاه والسلطة، وعلى مُحيا كل يمني عَلِم بفواجع الخبراء الصينيين على أرضنا، فخجلنا لموت الأشقاء الصينيين على ترابناالوطني، بينما كانوا يبذلون خبراتهم العلمية والعملية، ويهرقون دمائهم وأرواحهم لأجلنا، تنفيذاً لأوامر قيادتهم بمساعدة بلادنا وتطويرها ولتسهيل حياة اليمنيين.
فمنذ ذلك العهد يحدثني جدي كيف إمتدت علاقتنا الوطيدة بالصين وتشعبت من منطلق الاخاء والإنسانية،ومن مسارات الشيوعية والاشتراكية في عهد الاتحاد السوفيتي..
نحن، الشعب اليمني، لم ولن ننسى أممية الصينقيادة حزبية ودولة وشعباً يصونون العلاقة بحدقات عيونهم ومُهجهم وأجسادهم وأرواحهم التي يقدمونها رخيصة لليمنيين، في سبيل المُثل الاممية، ويرتقون بقِيم التعاون والإنسانية وحب الشعوبوحضاراتها إلى أعلى مَنَزلة في التاريخ وأسفار العلاقات البشرية.
ولايمكننا أن نتجاهل هذه التضحياتالتي قدمها الشعب الصيني وحكوماته لخدمة شعب اليمن واليمن..
فسلام حميم على جمهورية الصين الشعبية رئيساً وأرضاً وشعباً..!
ولتحيا الأخوّة العميقة لعلاقات وروابط شعبينا ووطنينا اليمني والصيني!
ونضرع لله العلي العظيم بأن يُغادر الحزن والأسى يوميات شعبنااليمني، بمزيدٍ من الاجتراحات وصروح النجاح في كل مجالات التعاون ما بين اليمن والصين.