المواطن/ كتابات ــ فهمي محمد
الفترة الإنتقالية وقضية الدولة
يذهب الدكتور محمد احمد على المخلافي في كتابه القيم قضية دولة القانون في الأزمة اليمنية الصادر عام 1999/م إلى القول بأن ” الإتفاقات الوحدوية قد ألزمت الطرفين أو النظامين على إتخاذ خطوات تتعلق بمسألة بناء أسس الدولة لاسيما فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي في الشمال والجنوب كخطوات أولية ضرورية تسبق إعلان دولة الوحدة ” بمعنى آخر تحويل السلطة في الشمال بمركزيتها القبلية العسكرية إلى دولة وطنية وتحول دولة الحزب الحاكم في الجنوب بمركزيتها السلطوية الأيديولوجية إلى دولة وطنية = { تحويل الثنائية المصطنعة في الجغرافية اليمنية إلى أوطان تؤمن بحق الوجود المتعدد وتؤمن بحق المواطنة المتساوية بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية } حتى تقام الوحدة اليمنية بين نظامين ديمقراطيين وبين دولتين وطنييتين، وبين شعبيين يملكان الحرية والإرادة في صنع القرار السياسي والمصيري ، على إعتبار أن إتخاذ مثل هذه الخطوات الضرورية سوف تجعل من الوحدة تقام في الواقع العملي على أسس صحيحة ومتينة غير قابلة للإنتكاس نحو التشطير من جديد، بل سوف تجعل من الدولة في ظل الوحدة اليمنية كائن سياسي وطني طبيعي مكتمل الشروط والأركان كونها نتاج لحالة سياسية وطنية متداولة في الشمال والجنوب، وليس نتاج لحالة سياسية ثقافية تنتمي إلى ما قبل مفهوم الدولة الوطنية، كما هو الحال مع إعلان دولة الوحدة في اليمن عام 1990/ م.
صحيح أن الحزب الاشتراكي اليمني بناءً على تلك المراجعات العقلانية كان قد أقر مسألة التعددية السياسية والحزبية قبل إعلان دولة الوحدة بثلاثة أشهر ونصف (الأتجاهات الأساسية للإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل المقر في الدورة الـ19 للجنة المركزية فبراير 1990/م ) إلا أن ذلك لم يكن كافي لتحويل المنظومة السياسية والحالة الوجدانية في الجنوب اليمني إلى دولة وطنية قائمة، أو حتى نظام سياسي ناجع وجاذب على غرار ما كان قائماً في تجربة المانيا الغربيه عندما تمت الوحدة بينها وبين ألمانيا الشرقية، وهو ما يعني بالنتيجة أن ما كان يجب أن يحدث في الواقع من إصلاحات جذرية داخل الشطرين في اليمن قبل إعلان الوحدة بينهما تم ترحيل العمل به إلى ما بعد إعلان دولة الوحدة وتحديداً خلال الفترة الإنتقالية التي أصبحت معنية بشكل أساسي في إنجاز مهام بناء الدولة الوطنية، وهو ما يعني أن المستقبل في ظل الجمهورية اليمنية كان مرهون بصدق النوايا المتعلقة بمعالجة الماضي التشطيري والتخلي عن ميراثه .
العمل على ترحيل المهام المتعلقة بقضية الدولة إلى الفترة الإنتقالية وإن كان قد أتى إستجابة لمسألة الضغط نحو الاستعجال في إعلان الوحدة، إلا أنه كان يعني من جهة أولى إدانة سياسية لواقع التجربة السياسية التشطيرية في الشمال والجنوب وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بفشل الطرفين في مسألة بناء الدولة الوطنية خلال ثلاثة عقود من الحكم الشمولي ، كما أنه من جهة ثانية يعد إستجابة غير مقبولة لرغبة النظام الحاكم في صنعاء الذي كان يدرك يومها عمق الأزمة والإنقسام داخل الحزب والدولة وحتى المجتمع على إثر إحداث يناير 1986/ وهذا ما جعل على صالح أكثر إندفاعاً وضغطاً نحو الإسراع في إعلان دولة الوحدة بناءً على إتفاقيات مكتوبه ، دون تغيير حقيقي في بنية النظام السياسي الحاكم في صنعاء، لاسيما وأن إختيار صنعاء عاصمة سياسية للجمهورية اليمنية قد ساعد بشكل كبير على بقاء ما كان قائماً فيها قبل الوحدة بكل أبعاده السياسية والثقافية والإجتماعية والإدارية وحتى القانونية، في حين أدى إنتقال قيادة الحزب والدولة من عدن إلى العاصمة صنعاء إلى اهتزازات وتحول كبير فيما كان قائماً في عدن قبل الوحدة، ما يعني أن إختيار صنعاء عاصمة سياسية للجمهورية اليمنية قد جعل ما كان قائماً ومتجذراً ومتداولاً في بنية النظام السياسي والاجتماعي وحتى الثقافي في الشمال قادراً على إبتلاع ماكان قائماً ومتداولاً في بنية النظام السياسي والاجتماعي والثقافي في الجنوب، بمعنى آخر توسيع دائرة القيم السلبية المتداولة في الشمال على حساب وجود تلك القيم الإيجابية التي كانت متداولة في الجنوب وتعميم ذلك في يمن ما بعد الوحدة = { الرشوة والمحسوبية، الفساد المالي والإداري ، عدم إحترام سيادة القانون ، إحياء ثقافة الثائر وكذلك ظاهرة المشيخة والقبيلة التي كانت تشكل العصبيه المركزية في بنية النظام الحاكم في شمال اليمن …} .