المواطن/ BBC عربي
حين اكتشفت جوليا لي دوك جثتي الأب وابنته الغريقة على ضفة نهر ريو غراند صباح الإثنين، التقطت لهما صورة.
على مدى سنين مر على هذه الصحفية المكسيكية من صحيفة لا جورنادا، أكثر من 20 جثة لمهاجرين.
لم تثر أي من الصور الأخرى التي التقطتها سابقا ضجة إعلامية، ولم تكن تتوقع أي تأثير هذه المرة أيضا.
كانت لي دوك قد وصلت ماتاموروس في إقليم تاماتوليباس المكسيكي، قبل ذلك بيوم واحد، بعد أن قدم شخص ما تقريرا إلى الشرطة عن امرأة تصرخ مصدومة، وتقول إن النهر جرف زوجها وابنتها.
قالت الصحفية لبي بي سي “حين وصلت هناك وجدت تلك المرأة الشابة، تانيا فالديس أفالوس، كانت في حالة صدمة، وكانت تقول إن النهر جرف زوجها وابنتها.”n
وكانت السلطات المحلية قد أطلقت حملة بحث لكنها توقفت في الليلة التي سبقت اكتشاف الجثتين بسبب الأحوال الجوية والأمطار.
“عاد بعضنا إلى الموقع نفسه في اليوم التالي، مع استئناف عملية البحث واكتشاف الجثتين بعد العاشرة صباحا التقط الصحفيون الحاضرون صورا، دهشنا أن الجثتين كانتا متعانقتين”.
لكن الصورة التي التقطتها لي دوك لأوسكار ألبرتو مارتينيز راميريز وطفلته فاليريا ذات العامين انتشرت كالنار في الهشيم، وأصبحت دليلا بصريا على المخاطر والمآسي التي تواجهها عائلات المهاجرين في محاولاتهم للوصول إلى الولايات المتحدة.
وقالت لي لوك “آمل أن نشر هذه الصورة سيسلط الضوء على مآسي المهاجرين وسيفعل أحدهم شيئا حتى لا نلتقط صورا لمهاجرين غرقوا في النهر مرة أخرى.”
وأضافت لي اوك “لقد انتشرت الآن بشكل كبير، وآمل أن تصبح بمثابة نداء لاهتمام أكبر ولمعرفة الدول أن مهاجرين ما زالوا يأتون إلى بلدانهم ويموتون على الحدود. لا يحظون بأي انتباه في الوقت الحاضر.”
وتفيد تقارير مختلفة أن عائلة مارتينيز وصلت ماتاموروس الأحد، بعد أن غادروا إلسلفادور، وحين وصلوا المكسيك انتظروا في مركز الهجرة لأكثر من شهرين على أمل أن يطلبوا اللجوء في الولايات المتحدة.
وحين وجدوا مكتب الهجرة المحلي مغلقا قررت العائلة أن تقطع النهر، حيث تقع ولاية تكساس على الناحية المقابلة.
تقول تانيا إن زوجها أوسكار تمكن من أن يقطع النهر سباحة برفقة ابنته. ترك الطفلة على شاطئ النهر ليعود لاصطحاب زوجته.
لكن حين رأت فاليريا والدها يسبح مبتعدا تبعته في الماء. حين أدرك أوسكار ما يجري عاد أدراجه لإحضارها، لكن التيار جرفهما.
مأساة متكررة
“هناك عائلات أخرى مع أطفال في المعسكرات ينتظرون البت في طلبات لجوئهم، لكن هناك من لا يحتمل وضعهم الانتظار”، بحسب لي دوك، وتضيف أنهم يعيشون في ظروف فظيعة، وفي درجات حرارة عالية جدا، وكانوا يعانون من الجوع والعطش وينامون على الأرض. يعيشون في ظروف لا إنسانية. تقول إن هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرمين بل مهاجرين في محطة مؤقتة.
صور كالتي نشرتها لي لوك وصحفيون آخرون في المنطقة ولدت درجة معينة من التعاطف مع المهاجرين ، لكنها أثارت الانتقادات والغضب أيضا.
يشكك المنتقدون في أخلاقية نشر تلك الصور: هل يريدون الإثارة والاستعراض مثلا؟ وهل تولد تلك الصور شعورا مناهضا للمهاجرين؟
تقول لي دوك إن نشر الصورة هو طريقة لعرض الصعوبات التي يواجهها من يحاولون قطع الحدود، وهو شيء يحدث طوال الوقت.
في نفس اليوم الذي التقطت فيه لي دوك الصورة اكتشفت شرطة الحدود جثث أربعة أشخاص آخرين: امرأة في العشرين، ورضيعا وطفلين.
لكن هذه الصورة تركت أثرا في الناس. تقول لي دوك إنها غطت الكثير من الأخبار في السابق وهناك صور لم تلفت أي انتباه. لماذا ؟
ربما لأن أبا وطفلته كانا في هذه الصورة، ربما لأنهما كانا متعانقين. يمكن رؤية أنه يحاول حمايتها بوضعها داخل قميصه وهي تعانقه. هكذا وصلت الجثتان إلى الشاطئ.
أزمة الهجرة
تقول لي دوك إن صورتها قد تكون مرعبة ، لكنها تصور مأساة كان متوقع حدوثها.
كانت هناك تحذيرات كثيرة في منطقة “نيو بريج” ، مهاجرون من أمريكا الوسطى وأفارقة وكوبيون يعيشون أوضاعا مأساوية، بدون أي مساعدة من السلطات، كما تروي لي دوك.
حاولت مجموعات من المواطنين تقديم مساعدة منظمة، مثل إحضار الماء للمهاجرين، لأنهم وصلوا وليس بحوزتهم شيء بعد أن قطعوا المكسيك.
وقالت موضحة “أبلغنا أنه لم يعد هناك مكان يأوون إليه في المعسكر، لا مراحيض ، يغسل الكبار ملابسهم في النهر، يستحم الأطفال باستخدام جرادل مملوءة بماء من النهر”.
وتسترسل قائلة “هذا يحدث منذ شهور”، لا أحد يعمل شيئا، هذه المأساة مستمرة منذ فترة.
ووفقا للقوانين الأمريكية الجديدة يتعين على المهاجرين الانتظار في المكسيك بينما تنظر السلطات الأمريكية في طلبات لجوئهم ، وذلك قد يستمر شهورا.
وانتقدت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المحلية قوانين ترامب الجديدة، وتقول إن الأوضاع تفاقمت في المناطق الحدودية.
ووصل ما يزيد على نصف مليون طالب لجوء إلى الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة حتى الآن.
وكانت المكسيك قد توصلت إلى اتفاقية مع إدارة ترامب لمحاولة منع تدفق اللاجئين غير المسجلين المتجهين إلى الولايات المتحدة.
ومنذ ذلك الوقت ازدادت التقارير عن حالات تسفير واحتجاز طالبي لجوء.
وقد أقر الديمقراطيون في مجلس النواب 4.5 مليار دولار لتنفق في المنطقة الحدودية مع المكسيك، لكن مشروع القانون يواجه معارضة شديدة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذي يسيطرون عليه.