المواطن/ كتابات _ فهمي محمد
قبل عشر سنوات تقريباً اتذكر أني تعلمت شيئاً مهما ، يومها كنت أقرأ كتاب ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) والكتاب كما هو معروف لأحد رواد النهضة العربية المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي الذي قتل في الأربعينيات من عمره وفي بداية عطائه الفكري عن طريق دس السم على يد السلطات العثمانية أو هكذا تشير اصابع الاتهام حين يتم الحديث عن مقتل هذا المفكر التنويري .
في هذا الكتاب يتناول الكواكبي على وجه الخصوص الاستبداد السياسي وكيف تنعكس آثاره على كل مناحي الحياة فتدمرها بشكل كامل سياسياً واجتماعيا وثقافيا ودينيا واقتصاديا وحتى اخلاقيا ، لهذا كان طبائع الاستبداد فصلاً في القول لاسيما فيما يتعلق بتحديد جذر المشكله ، واكثر من ذلك كان هذا الكتاب ذا بعد سياسي ثوري تغييري اقلق السلطات العثمانية كما أنه في نفس الوقت كان يحمل في طياته ما عجل بمقتل صاحبه قبل أن يتمكن هذا المفكر التنويري والتقدمي داخل الحقل المعرفي الاسلامي من إفراغ كامل حمولته الفكرية والنقدية للواقع السياسي العربي والإسلامي الذي نعيشه منذ قرون ، وتحويل هذه الحمولة إلى مشروع نقدي معرفي تنويري ونهضوي للأجيال القادمة
في هذه المقالة لا أدعي اني اُقدم قراءة في كتاب هذا المفكر التنويري ، فهذا بحد ذاته طموح لم أقرر الخوض فيه بعد ، لكني أردت الحديث عن شيئ تعلمته أثناء قرأتي لهذا الكتاب وعلى وجه التحديد الفرق بين المجد والتمجد أو بمعنى آخر الفرق بين طالبين المجد وبين طالبين التمجد ، لاسيما في عالم السياسة الذي يشهد في كل زمان ومكان حضور كثيف للمتمجدين قياساً على حضور الماجدين الذين بلاشك يربون بأنفسهم ويتأففون من الوقوف على باب السلطان ، حتى وإن بدا البعض منهم حائراً ومتردداً في اتخاذ هكذا قرار له تبعات على صاحبه .
هذه الحيرة وهذا التردد في حسم خيارات الوقوف على باب الله أو باب السلطان نعثر عليها كصورة حية ومثالية للموقف السياسي والفكري الأخلاقي والقيمي في كتاب” السلطة السياسية والسلطة الثقافية ” للكاتب المقتدر على امليل وتحديداً في معرض حديثه عن أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء ” ابو حيان التوحيدي ” الذي انتصر بعد حيرته للمبادى والقيم وشهد مجلسه بعد ذلك تأسيس ما يسمى بـ ثقافة المقابسات
فالرجل بهذا الخيار قد فظل شظف العيش بدلاً من نعيم يأتيه مقابل الوقوف على باب السلطان اوحتى التسبيح بحمد اصحاب المعالي والنفوذ كما هو حال المتمجدين في طبائع الاستبداد .
المجد يقابله التمجد عند الكواكبي ، فالمجد في تعريف مفكرنا هذا هو ( إحراز المرء مقام حب في القلوب وهو مطلب شريف لكل إنسان ) وهو يُنال بنوع من البذل في سبيل الجماعة او المجتمع ، وذروة المجد هو مجد النبالة الذي يعرفه الكواكبي (ببذل النفس بالتعرض للمشاق والأخطار في سبيل نصرة الحق وحفظ النظام ) وهو هنا موقف نقدي يتعلق بالسياسة والسلطة والواقع لاسيما حين ينحرف المسار من قبل الحائزين على مفاصل السلطة والحكم فالواقفين في وجه هذا الانحراف دائماً هم الواقفين على باب الله بامتياز ، يقابلهم في كل زمان ومكان متمجدين متملقين يمارسون القربى بالقول والعمل لهؤلاء الحائزين المسيطرين على السلطة ، فهم على حد وصف الكواكبي (سماسرة يستخدمهم المستبد لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن أو مسؤولية الدولة أو الدفاع عن الاستقلال ) فهؤلاء هم الواقفين دائما على باب السلطان ، وما أكثرهم اليوم رغم انحراف المسار بشكل مخيف .