المواطن نت/ عدن _ ريم الفضلي
يجلس محمد”اسم مستعار”على عتبة الرصيف في أحد الشوارع الحيوية في مدينة عدن وهو يحتمي من حرارة الشمس التي تكاد أن تذيبه على آخره، واضعا فوق رأسه كيس فيه بقايا المحارم الذي لم يبعها بعد.
وفي البلاد الذي لم يرى السلام منذ عقود، يعيش عدد كبير من سكان اليمن بعيدا عن بيوتهم، مشتتين في مدن غير مدنهم.
” محمد” واحد من ملايين الأطفال اليمنيين الذين عاشوا وطأة النزوح و قساوة الظروف المعيشية التي تطحن عظامهم و تنذر بمستقبل اسود قد يزيد من معاناة هذا البلد الذي يواجه أسوأ أزمة إنسانية حول العالم
.
نزوح من موت الى اخر
بحلول نهاية عام 2019، قدّر عدد النازحين في اليمن بحوالي 4 ملايين شخص، منهم مليون ونصف مليون طفل، توزعوا على عدد من المحافظات المحررة.
ومع استمرار الحرب لعامها السادس، تشهد الكثير من المحافظات الواقعة تحت حصار جبهات الاقتتال في اليمن موجات نزوح مستمرة الى المحافظات المحررة التي تشهد هي الاخرى حرب ممنهجة من نوع آخر.
وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والانهيار الشاسع في المؤسسات والخدمات العامة، و تزايد المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، لم تكن المدن المحررة كما يسميها البعض ملاذا آمنا لهؤلاء الناس، وخصوصا الاطفال.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تكن عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، لمحمد واسرته سوى جحيم اخر يشعل نار الحسرة بداخلهم.
يعيش محمد هو وعائلته المكونة من خمسة أطفال و ام، قرابة العامين ونصف، في أحد بيوت مديرية كريتر الشعبية المهترئة ، المفترقة لأبسط مقومات العيش الكريم، وذلك بعد ان قتل رب الاسرة نتيجة القصف المتبادل بين أطراف الصراع اليمني، الذي شهدته مديرية الدريهمي في أكتوبر من العام 2018م غربي محافظة الحديدة احدى المدن اليمنية الساحلية.
وجدوا أنفسهم مع الكثير من اسر الدريهمي على حدود العاصمة المؤقتة، بعضهم لم يكن لديه الخيار عدا اللجوء الى مخيمات النازحين والبعض الآخر استطاع السكن في منازل داخل المدينة.
وفي حديثنا مع الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين مكتب العاصمة المؤقتة، للحصول على احصائية مؤكدة لم يكن لدى الوحدة عدا احصائية مؤكدة بعدد النازحين من الاطفال في مخيمات العاصمة، والذي بلغ عددهم ٨,٨٤٢ طفل متوزعين على عدد ٣٢ مخيم.
و اكد لنا المتحدث باسم الوحدة ان إجمالي عدد الأطفال النازحين الساكنين مع أسرهم خارج المخيمات، أكثر بكثير ولا توجد لهم إحصائيات رسمية .
معيل لم يتجاوز العاشرة
بعد عدة اسابيع من العيش في عدن، وجد محمد نفسه مسؤولا على خمسة اطفال اصغرهم في عمر السنة، و أم مكلومة، أكل الحزن قلبها.
ويبدا عمل محمد في الثامنة من صباح كل يوم و يستمر حتى ساعات متاخرة من الليل. يبيع محمد المحارم الورقية على قارعة احد شوارع عدن هو وجملة من الاطفال. يقول محمد:”حين أتيت الى عدن كنت تائه لا اعرف احد وكنت خائفا جدا على أسرتي من الجوع، لكن عرفني احد جيراني الذي يقطن بجوار منزلي في كريتر على احد المسؤولين على الباعة المتجولين، وها انا الان ابيع المحارم على العابرين كي استطيع اعالة اسرتي.”
منذ ان اندلعت الحرب، وبرغم ان اليمن احد الموقعين على الاتفاقية رقم ١٨٢من منظمة العمل الدولي الذي تجرم عمل الاطفال، شهدت البلاد ارتفاع ملحوظ في نسبة عمالة الأطفال، و في احصائية رسمية غير مؤكدة في العام ٢٠٢٠م، بلغ عدد الأطفال العاملين في اليمن ما يقارب ٤٠٠ الف طفل عامل ينتمون للفئة العمرية مابين ١٠- ١٤ عاما، جاء عدد الذكور فيها أعلى بنسبة عشرة في المئة من عدد الفتيات.
ومن جانبها أكدت منظمة العمل الدولية ان ما يقارب 1.4مليون طفل يعملون في اليمن وهذا ما ينفي الإحصائية الحكومية بارقام شاسعة.
حرمان من التعليم
حرم العديد من الأطفال في اليمن من حقهم في التعليم لعدد من الأسباب أهمها الظروف المعيشية الصعبة التي فرضتها الحرب على أسرهم سوى من فقدان مصدر عيش العائل لهم او وفاته، وهذا ما اكدته اليونيسف في العام 2019م، التي اكدت وجود مليوني طفل خارج المدارس.
عزف العديد من الاطفال اليمنيين عن الدراسة منذ بدء الحرب في اليمن، خصوصا الاطفال النازحين من مدنهم الى مناطق اكثر أمانا للمساعدة في اعالة اسرهم او للمساعدة في رفع مستوى الدخل المعيشي للاسرة.
يواجه الأطفال غير الملتحقين بالمدارس مخاطر متزايدة من التعرض لكافة أشكال الاستغلال و الاعتداءات الجنسية و النفسية، بما في ذلك إجبارهم على الانضمام إلى القتال.
كما يفقدون فرصة النمو والتطور في بيئة تحيطهم بالرعاية والتشجيع، ويصبحون عالقين في نهاية الأمر في حياة يملؤها العوزُ والمشقة.
بصيص أمل في قلبالظلام
عملت العديد من منظمات المجتمع المدني في عدن على اشراك الاطفال النازحين في العملية التعليمية وتوفير كل ما يلزم لتسجيل الأطفال في المدارس المحلية في المدينة أو تخصيص مدارس للاطفال النازحين وتوفير كل ما يلزم لإتمام عمليتهم التعليمية.
تقول مها محسن اخصائية نفسية في منظمة “save the children”:”عملنا في المنظمة قصار جهدنا على توفير كل ما يلزم لمئات الاطفال النازحين خصوصا، لاشراكهم في العملية التعليمية. و رغم مواجهتنا للعديد من الصعاب الا اننا استطعنا كسر جميع القيود التي واجهتنا.”
و تضيف محسن: “ان التعليم حق من حقوق كل طفل، و ينبغي أن يساعد التعليم الذي يحصل عليه الأطفال على تطوير شخصياتهم ومواهبهم وقدراتهم بشكل كامل وينبغي ان يعلموهم حقوقهم واحترام حقوق الآخرين وثقافاتهم واختلافاتهم والعيش.”
محمد، الرجل الطفل
لم يستطع محمد حتى لحظة كتابة هذا التقرير، الانضمام الى المدرسة. و في لحظة حديثي معه عنها، اجتاحت عيناه رغبة واضحة و اشتياق جم لها. لكن ورغم ذلك، اكد محمد ان لا داع للذهاب الى المدرسة وانه راض تماماً عن حياته هكذا، خصوصا وهو قادر على توفير لقمة العيش لوالدته واخوته الصغار.
محمد ليس الوحيد، هو واحد من عديد الأطفال في شتى بقاع اليمن ممن لبسوا ثوب البلوغ مبكرا، عازمين محو هذه المرحلة المهمة من حياتهم، لا لشيء سوى ان هذه الحرب و أربابها قد مزقوا اوصار الكثير، اولهم اطفال اليمن..
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا