كتابات – زكريا الكمالي
بغضّ النظر عن الإمكانات النوعية والقدرات التي بات يمتلكها الحوثيون بدعم إيراني، إلا أن كلّ ذلك لا يمنح الجماعة القدرة على توسيع بنك أهدافها، ومراقبة كافة قواعد الجيش اليمني في المدن البعيدة، لولا وجود عوامل مساعدة على الأرض، وخيانات من الداخل. منذ سنوات، والقوات الحكومية اليمنية تتلقى ضربات موجعة بعيداً عن مسرح المعارك. يسقط الجنود بالعشرات، وهم في قواعدهم، وليس وراء متاريس القتال في الخطوط الأمامية. ومع ذلك لم يحدث أن هزّت هذه العمليات المتكررة ضمير قيادات الدولة أو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
عقب كل جريمة، تخرج الحكومة وقيادات “الشرعية” بذات البيانات المعلبة التي تتوعد فيها الحوثيين بدفع الثمن غالياً، أو تندد وكأنها منظمة دولية محايدة، أو أن القصف طاول طابوراً صباحياً في مدرسة ابتدائية، وليس قاعدة عسكرية. والأظرف من ذلك، الحرص على الشفافية الذي يظهر به متحدث الجيش، عبده مجلي، بالقول إن التحقيقات الأولية كشفت أن شظايا الصاروخ الذي استهدف قاعدة العند الجوية (في محافظة لحج، جنوبي اليمن)، أول من أمس الأحد، تتطابق مع شظايا الصاروخ الذي استهدف الحكومة في مطار عدن، أواخر العام الماضي.
ما هي الفائدة التي سيجنيها أهالي 30 قتيلاً و106 مصابين، من أن يكون الصاروخان متطابقين، أو أبناء عمومة؟ هل سيخفف ذلك من وطأة الكارثة في نفوس باقي الوحدات العسكرية، ويجعلها تتقبل فكرة الموت المجاني بصواريخ إيرانية؟ أم أن طهران ستشعر بالحرج وتلوم الحوثيين، على افتراض أنها سلّمتهم الصواريخ البالستية من أجل نصبها كمعالم في شوارع صنعاء، وليس توجيهها لقتل اليمنيين جنوباً وشرقا؟!
لا تتعلم الحكومة اليمنية من أخطائها السابقة، ولا تشعر بذرة مسؤولية تجاه الدم الذي يُراق بشكل مجاني وعبثي بعيداً عن جبهات القتال. تدرك “الشرعية” أنها أمام عصابة يستسيغ قادتها القتل لمجرد القتل، ومع ذلك، يتم تمكين الحوثيين من تحقيق رغباتهم بشكل مخيف، وتقديم مئات الجنود لصواريخهم وطائراتهم المسّيرة على طبق من فضة.
كان من المفترض أن يبدأ مجلس الدفاع الوطني الذي يرأسه رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي اجتماعاً مفتوحاً عقب كارثة قاعدة العند، ويخرج بقرارات حاسمة تُنهي العبث الذي يتسبب في استرخاص الدم اليمني، سواء بإقالة القادة المسؤولين على تلك الوحدات بشكل مباشر، أو إعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات العسكرية والدفاع الجوي.
ما يجري من استهداف ممنهج لقواعد الجيش، لا يعود إلى تمكين إلهي يحصل عليه الحوثيون كما يزعمون، بل إلى خلايا نائمة داخل الوحدات العسكرية، هي التي تسرب المعلومات وتشارك في القتل. هل كان بمقدور جماعة الحوثيين مثلاً استهداف مطار عدن لحظة وصول الحكومة، لولا وجود خلايا نائمة أبلغتهم من اليوم الأول بموعد الوصول ومنحتهم فرصة تجهيز منصة صواريخ؟ الطائرات الاستطلاعية لا تعرف مواعيد الوصول والعروض والتدريبات منذ اليوم السابق؟
هناك عدو متربص من الداخل، لا يمكن اكتشافه إلا بوجود أجهزة استخبارات عسكرية محترفة تشعر بخطورة المرحلة. أجهزة قادرة على معرفة ما يدور أيضاً في مناطق الحوثيين، وكيف أن هناك منصة صواريخ قد تم تجهيزها في مناطق قريبة، حتى يتم أخذ الاحتياطات ومنع التجمعات بأعداد كبيرة.
البحث عن شمّاعات من قبيل عدم وجود منظومة دفاع جوي، أو إطلاق وعود طويلة الأمد وضرورة تحرير المنطقة التي تم إطلاق الصواريخ منها، مجرد تخدير موضعي. غربلة الوحدات من الخلايا النائمة بتنشيط العمل الاستخباري، واصطياد أي طائرات استطلاع مسّيرة للحوثيين فوق مناطقها بمدافع متوفرة في كلّ المعسكرات، هي الاستراتيجية الوحيدة التي ستحفظ الدماء، وتجعل الحوثي لا يعرف أين أنت أو في أي البقاع حططت رحالك.