فهمي محمد
أمس الليل على غير المعتاد قضيت كم ساعة من السمر عند أحد الأصدقاء بعد جولة الزراعة ثم عدت إلى البيت بعد منتصف الليل، وما لفت انتباهي واسعدني في نفس الوقت أني في طريق العودة شاهدت بعض المحلات مفتوحة وبعض الشباب مخزنيين على بعض الأرصفة والعديد من أصحاب المتورات واقفين في الجولات ومستعدين لتوصيل أي متنقل ، كل ذلك يشعرك بالأمان، ما يعني أن تعز ليست آمنة بل يعني أن تعز رغم كل ما تتعرض له من تهشيم داخلي إلا أنها تقاوم من أجل أن تعود إلى طبيعتها المتمدنة.
بعد وصولي للبيت لقيت تعنيف شديد بالقول حسك الأمني تجاه شخصك صفر يا محامي ويا كاتب ويا سياسي!
وعندما أردت الاستفهام عن كل هذا الإنزعاج قالت ألا تخاف على نفسك في هذه الظروف التي تمر بها تعز ؟ كان المفروض أن لا تعود إلى البيت في هذا الوقت المتأخر إن كان هناك ما يستدعي تأخيرك خارج البيت !
اكتفيت بتوزيع الإبتسامة بغرض التهدئة، ثم عقبت بالقول وأنا في حالة نشوة أن تعز تعود إلى طبيعتها، ولم يكن الوقت مناسب لأخبرها بأني سبق وأن وجهت هذا السؤال قبل عشر سنوات إلى أحد المثقفين والسياسيين البارزين في اليمن، يومها كُنت على وشك الخروج من ساحة الحرية أنا والأستاذ علي محمد الصراري بعد لقاء مطول في أحد الخيام جمعنا الاثنين والسياسي البارز محمد الصبري والأستاذ عبدالله نعمان وسلطان السامعي، وقد استغرقنا حديثنا في هذا اللقاء عن مستجدات الثوره في تعز.
بعد الانتهاء من الحديث وعندما كُنا الاثنين نعدو الخُطا خارجين من الساحة سألت الأستاذ علي الصراري بالقول أراك تتحرك وتسافر من صنعاء إلى تعز وتعود دون حارس أو حتى مرافق شخصي، ألا تخاف على نفسك في هذه الظروف التي تمر بها البلاد خصوصاً وأن النظام بدأ يفقد أعصابه ويعمل على إغراق أقدامه في الدم ؟
وعلى الفور كان الجواب من قبل هذا السياسي البارز والكاتب المثقف بالقول = عندما يتخذ النظام قراراً بقتلي لن يستطيع حارس شخصي أو حتى طقم من المسلحين الأشداء توقيف عملية الإغتيال ، لهذا لا داعي للحراسة أو الاستعراض المزعج لي شخصياً وللآخرين .
هكذا سمعت الجواب حرفياً من هذا السياسي المناضل الذي وُصف أثناء سقوطه في انتخابات 1993م بسقوط الثقافة في تعز ، على حد وصف أحد الصحف البريطانية ، ومع أن جوابه كان مقنعاً أكثر من اللازم إلا أن جمجمته كانت تحمل الكثير مما يستحق الحماية خصوصاً وأن الحاكم كان في مرحلة ترنُح شديد بفعل أمواج الثورة الضاربة وهذا يعني أنه كان مستعد أن يرتكب بعض الحماقات كما أن السلاح الذي انضم إلى الثورة كان مستعد هو الآخر أن يولع في تلك الحماقات من أجل تأجيج غضب الشارع واستقطاب القوى الصامتة إلى جانبه ضد صالح من أجل أن يرث سلطته كما تم وراثة سلطة الإمام بعد ثورة سبتمبر .
بلا شك مع جواب هذا السياسي تغير مفهوم الحماية في ذهني ، كثيراً وبشكل جعلني أشعر بالانزعاج وأحيان بالسخرية كلما شاهدت شخص يحاط بالمرافقين والسلاح ، لكن الغريب والمزعج أكثر هو مشاهدتي لبعض قيادات السلطة المحلية والعسكرية في تعز وهم يتدثرون بالسلاح والحراسة التي تتحول مع البعض منهم إلى مواكب استعراض ، وكلما شاهدت ذلك اتسأل في نفسي هل هؤلاء خائفون فعلاً على أنفسهم وممن هم خائفون من المواطنين الغلابا ؟
أم أنهم يخوفون الغلابا ؟
أو أنه الاستعراض المزعج الذي يعكس مقولة إن الأواني الفارغة أكثر ضجيجاً ؟
مهما تكن دوافع هؤلاء فإن المؤكد أن كل قائد عسكري أو مدني في تعز يمر مدججاً بالسلاح والحراسة فاعلم أنه يجر ورائه فسادا عظيما ، وتعز بحراكها الجاري تقاوم فسادهم .