فهمي محمد
الإهداء/ إلى الشباب الثائر في تعز الحالمة
إذا كانت أحد أكبر المعضلات في تأريخ الثورة اليمنية تكمن في عدم الوعي بفكرتها الغائية ، فهذا يعني أنه من الضروري أن يستمر الحراك الثوري في مدينة تعز مع التركيز على استحضار الوعي السياسي بخصوصية التجربة الثورية في اليمن.
قبل عامين كنت قد كتبت مقال صغير بعنوان لا بد من العودة إلى الجماهير، وقد كان ذلك على إثر محاولة بعض الشباب الناشطين والمتذمرين تغعيل الشارع في تعز، بعد أن سارت الأمور إلى عكس ما كانوا يطمحون به .
في بلدان العالم الثالث تعيش الثوارات مخاض طويل ويائس في أغلب الأحوال مع فكرة التغيير السياسي والإجتماعي وتحقيق التقدم الذي يصنع المستقبل، كما أن الإعتقاد السائد بخصوص نجاعة التغيير الأفقي يقول أن كل ألف مواطن في اليمن أصبحوا يحتاجون إلى ثورة، وفي مقدمة ذلك ثورة الوعي بفكرة الثورة نفسها لأن هذه الأخيرة هي الغائب الأكبر في خصوصية التجربة الثورية في اليمن منذ ثورة سبتمبر وحتى ثورة فبراير، لاسيما عند هؤلاء الذين يدفعهم ثلاثي الجوع والفقر والمرض إلى الخروج الرافض للواقع، وممارسة الفعل النضالي الثوري ضد رجال السلطة المستبدين أو الفاسدين كما هو حال رجالات السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في مدينة تعز التي تشهد اليوم حراك شعبي وثوري .
على الصعيد الوطني، نستطيع القول أن واقع الحال في اليمن بعد ثورتنا الثالثة أصبح يقدم لنا الدليل القاطع الذي يؤكد غياب الوعي السياسي والإجتماعي بفكرة الثورة نفسها ={ من زاوية التغيير والمستقبل الذي يجب أن يكون } فعلى سبيل المثال فقط نجد اليوم أن السواد الأعظم من شباب اليمن الذين يحملون السلاح في الشمال أو الجنوب ومن يشكل غطاء سياسي وحاضن شعبي وجماهيري لهم أصبحوا يقاتلون جميعاً من أجل إستعادة الماضي الذي رفضه الوعي السياسي والنضالي لليمنيين قبل ستة او سبعة عقود من الزمان، بمعنى آخر ما كان في الماضي أسباب موضوعية للفعل الثوري الذي استهدف الغائهما من واقع اليمنيين = { نظام الفرد الاستبدادي السلالي في الشمال واستعادة مسألة تشطير اليمن إلى دولتين } أصبحت اليوم أهداف ثورية يجري القتال من اجل استعادتهما بدعم إقليمي يقدم على حساب السيادة الوطنية لليمنيين، والاكثر إيلاماً في هذا الصدد هو إعتقاد هؤلاء أنهم في صدد عمل ثوري يستحق التضحيات التي تقدم كما هو حال الحركة الحوثية في الشمال والانتقالي في الجنوب مع الفارق في الأسباب التي دفعت كل واحد منهما للعمل على استدعاء النموذج التأريخي الذي يقاتل من أجله وكذلك في المخاطر المترتبة على نجاح هذا الاستدعاء التأريخي .
وإذا كانت الثورة في كل الأحوال معنية في صناعة المستقبل لاسيما وأن هذا الأخير يعد مبرر لفعلها الثوري فإن السؤال الكبير يقول من هي القوى التي تقاتل اليوم من أجل المستقبل في اليمن أو تناضل من أجل تحقيقه ؟ وهل لدينا وعي بذلك ؟
علماً بأن تحقيق المستقبل بمقياس فكرة التغيير الثوري يعني تحويل اليمن إلى وطن مكتمل السيادة، حتى السلطة المحسوبة على معسكر الشرعية بشقيها المدني والعسكري، كما هو الحال في مدينة تعز وغيرها غارقة في الفساد والإفساد الممنهج أكثر من الفساد الذي كان يمارس قبل ثورة فبراير، وهذا يعني العمل على استدعاء الماضي على حساب المستقبل، كما أن قيادة الشرعية على المستوى الوطني قد فشلت في إدارة معركتها مع الحركة الإنقلابية، واقدمت على بلع لسانها فيما يتعلق بالحديث عن مسألة السيادة الوطنية، ناهيك عن فشلها في تحقيق النموذج السياسي والأمني الذي يمكنها من تقديم نفسها لليمنيين وللخارج كحامل لمشروع التغيير الثوري في اليمن، وهذا ما أدى إلى إندلاع موجة من التظاهرات التي تطالب برحيل رجالات السلطة في مدينة تعز ويجب أن يستمر هذا الحراك حتى يتم تحقيق الفكرة الغائية من الثورة، وقد سبق إندلاع موجة من التظاهرات في المناطق الجنوبية لنفس الأسباب .
الحديث عن ضرورة استحضار شباب الحراك في تعز للوعي السياسي المتعلق بخصوصية التجربة الثورية في اليمن يعني ضرورة استيعابهم في هذا الحراك لأربع نقاط مهمة
1- عليهم أن يدركوا أنه لا توجد الآن أي قوى من القوى الفاعلة في المشهد السياسي في اليمن تقاتل من أجل مستقبلهم أو أنها مؤهلة سياسياً وأخلاقيا لهذا الدور، وقد سبق توضيح ذلك، ما يعني أن عليهم خلق أدوات نضاليه جديدة او الضغظ على الأحزاب السياسية من أجل إستعادة دورها في هذا المسار الثوري الذي يقاتل من اجل المستقبل.
2- على الشباب الثائر في تعز أن يدرك أن الثورة هي وسيلة نضالية من أجل تحقيقه غاية ثورية ={ التغيير الذي يصنع المستقبل} وهذا يعني أن الأصل في التغيير هو تغيير التوجه السياسي والاجتماعي والإقتصادي.. وليس تغير الوجوه الفاسدة في جهاز السلطة فقط، ما يعني أن عليهم أن يتجاوزوا الشعارات الثورية التقليدية التي تمكن لصوص الثورة دائماً من الألتفاف عليهم، أقصد هنا المطالبة برحيل الفاسدين وإحالتهم إلى نيابة الأموال العامة فقط، فمثل هذه المطالب يسهل على الفاسد الأكبر تنفيذها، بطريقة ذر الرماد على العيون، ومع ذلك لن يتحقق التغيير الذي يخلق النموذج في تعز،
تعز تحتاج إلى جانب رحيل الفاسدين، لمشروع حوكمة سياسية واقتصادية وقانونية تعمل على تغير التوجه، وانصح أن يتم الإستفادة مما ورد في بيان الاشتراكي والناصري بغض النظر عن كون هذه الأحزاب غير معفية من المسألة.
3- على الشباب الثائر أن يدرك خطورة جرهم إلى رفع المطالب بطريقة انتقائية، بمعنى آخر أن يتم التركيز على رحيل قيادة السلطة المدينة في تعز بمعزل عن المطالبة برحيل القيادات العسكرية والأمنية، فالفساد والفشل مهول في مؤسسة الجيش والأمن، ناهيك عن كون اغلب القيادات العسكرية والأمنية يشكلون مصدر حماية للفاسدين وحالة ممانعة لعملية التغيير السياسي في تعز.
4- على الشباب الثائر أن يدرك أنهم هم المعنيين في بناء مستقلبهم، وأن مشقة الفعل الثوري تقع على عاتقهم، لذا عليهم أن يدركوا أن الثورة الناجحة هي الثورة القادرة على إعفاء الأجيال القادمة من مشقة التفكير بالثورة.