المواطن/ كتابات ـ فهمي محمد
الاهداء / إلى الأخت الفاضلة والرفيقة أسوان شاهر .. فمن نقاشها معي حول هذا الموضوع تولدت فكرة الكتابة هنا، لذى اهدي إليها هذا العمل المتواضع مع خالص تقديري .
عندما يقف المثقف على أرضية الأيديولوجيا ويكون في نفس الوقت غير قادر على التخلص من اثقالها فإنه يظل دائماً وأبداً غير قادر على إنتاج المعرفة أو الوعي النقدي داخل محيطه الإجتماعي، فكل ما يستطيع فعله هذا المثقف الأيديولوجي هو إنتاج رأي ( دجما) ينتصر فيه للإيديولوجيا بالمعنى الذي ينتصر فيه الأنا على الآخر في معادلة الصراع السياسي بين رجالات السياسة، ما يعني أن المثقف في هكذا أحوال يختصر الكثير من دوره التنويري في معركة التغيير، أو يسجل غياباً غير مبرر لصالح السياسي مع أن مركزية حضور المثقف تاريخياً تتحدد بناءً على دوره النضالي الذي يجعل منه رجل تنوير ثقافي وناقد إجتماعي وصاحب موقف تجاه المسألة السياسية .
المثقف هو شخص متكلم في قضايا المجتمع محاضراً كان أو كاتباً مبدعاً طالما أنه في كل الأحوال يشتغل في مطاردة الحقيقة ليس إلا… ، لكنه يخوض معركته في البحث عن الحقيقة بأدوات المعرفة = التفكير والشك فيما هو مسلم وقائم في مجتمعه، لأن نجاعة رسالته تتمثل في أحد مظاهرها في إعادة صياغة المفاهيم والقوالب الفكرية داخل مجتمعه، وحتى يكون المثقف قادر على إنتاج المعرفة بالمعنى الذي يجعله قادراً على الإنتصار للحقيقة وللمستقبل في وطنه عليه أن يقف بأقدامه على مساحة من الفراغ الأيديولوجي أو يكون في أسوأ أحواله قادراً على التحرر من أثقالها إذا سلمنا جدلا أن الأيديولوجيا أو الإنتماء إليها امراً لا بد منه .
المجتمعات التي لم تنتصر حتى اليوم على مخاطرها ( اليمن نموذجاً ) هي مجتمعات تقليدية صرفه تعاني من إنعدام الوعي بفكرة المستقبل حتى على مستوى النخب ناهيك عن تصحُر الوعي لدى عامة الناس، ما يعني أن هذه المجتمعات الفقيرة في الوعي اكثر من فقرها في المال يسجل فيها السياسي حضوراً مكثفاً على حساب المثقف أو المفكر الناقد، زد على ذلك أن هذا السياسي بمواصفات الموديل العربي هو سياسي فاشل، يتكرر رسوبه دائماً في اختبارات السياسية، أو هكذا قال المفكر الانصاري في وصف حال المجتمع العربي بشكل عام، لاسيما ونحن نخوض منذ قرون حروب ومعارك وصراعات سياسية تحت راية هذا السياسي أو ذاك لكنها جميعاً تدار بعيدةً كل البعد عن معركة الوعي بالمستقبل .
في إعتقادي إن واقعنا السياسي والإجتماعي والثقافي يظل دائماً بحاجة ماسة إلى حضور المثقف ودورة في معركة التغيير، بالمفهوم الذي يؤسس لحضور سلطة أهل الفكر في معادلة الصراع، وهي السلطة التي شهدتها أوروبا في عصر النهضة على يد فلاسفة ومفكري ومثقفي عصر الأنوار، لكن حضور هذه السلطة المؤثرة ونجاعة دورها مع المستقبل تتطلب أولاً أن يعي المثقف دورة في هذه المعركة، وأن يتحول حضور المثقف الفرد إلى حضور جمعي، وثانياً أن يكون المثقف صاحب مشروع وطني وليس مشروع أيديولوجي .