المواطن/ كتابات – فهمي محمد
تعد الثقافة في كل العصور بما تحمله من قيم ومبادي هي المحرك الرئيسي للإنسان وللجماعة نحو المستقبل ، لذا اجد نفسي غير مهتم الآن بتعريف الثقافة كما تعود عليه كثيراً من الباحثين ، بل مايهمني تحليل وتفكيك دور الثقافة في حياة الشعوب، ومتى تكون عامل إستقرار وإنسجام وتشكل حالة دفع للأمام ، أو عامل صراع وتوقف في حركة الجماعه .
فالثقافة بكونها جهاز مفاهيمي تؤدي وظيفة هامه في أي مجتمع ، وهي خلق حالة من التوحد الروحي والمعنوي لجماعة ما ، فأذا حدث ذلك تكوّن فكر المجتمع بمفهوم العقل الجمعي الذي تفكر فيه الجماعة ، على إعتبار إن الثقافه هي الجهاز المفاهيمي الذي ينفخ الروح في سلوك أي مجتمع بل وتحدد مسار التحول التاريخي في حركته .
فالتحول الذي يتجه نحو التقدم لايأتي من فراغ بل يحدث بعد ان تتحول القيم الثقافية ومفردات الثقافة الذاتيه = القيم الثقافية المدنية والحديثة ، الى نظام معرفي عام يمارس حالة من التحكم في وعي الجماعه ويصبح هذا النظام في نفس الوقت هو ادوات الإنتاج المعرفي والعلمي للجماعه ، بمعنى آخر متى كانت القيم الثقافية التي شكلت النظام المعرفي للجماعه تتوافق مع حركة التاريخ الحقيقية ، فسوف تتحرك الجماعة منسجمة مع حركة التاريخ كصيرورة نحو المستقبل وبشكل يؤدي إلى تحقق التقدم المنشود ،واذا كانت لاتتوافق مع حركة التاريخ فإن تلك الجماعة سوف تتوقف عن الحركة نحو التقدم ، بل إنها سوف تتحرك بين الحين والآخر بعكس حركة التاريخ كصيرورة نحو التقدم أي نحو الماضي ، كما يحدث على سبيل المثال في منطقة شمال الشمال = الهضبة .
لكي تتحقق حركة التقدم نحو المستقبل المنشود في أي مجتمع = ( تحويل السلطة إلى دولة ، والأرض الى وطن ) يتوجب على الثقافة بكونها جهاز مفاهيمي أن تنجح بالقيام بوظيفتها ، وذلك من جهة بتحويل القيم الثقافية الى نظام معرفي عام = ( عقل جمعي ) ومن جهة ثانية أن يكون هذا النظام الثقافي والمعرفي أو هذا العقل الجمعي منسجم مع حركة التاريخ كصيرورة ومع مطالب المستقبل .
في اليمن لم تؤدي الثقافه وظيفتها الحقيقية ، لم تخلق حالة التوحد الروحي والمعنوي لكل ابناء الشعب ، فبقدر ما فشلت في الإنتصار للقيم الثقافية المدنية والحديثة وتحويلها إلى نظام ثقافي ومعرفي = ( عقل جمعي واحد متطلع للمستقبل ) ، بقدر ما خلقت في نفس الوقت ثنائية في النظام المعرفي وذلك بسبب عدم تجانس القيم الثقافية الذاتية داخل المجتمع اليمني والتي ما زالت في معظمها نتاج لعوامل وانماط تاريخية ماضوية لاسيما مناطق شمال الشمال التي تحولت فيها القيم الثقافية الى نظام ثقافي ومعرفي عصبوي وأحادي يتموضع في هذه المنطقة الجغرافية ويتقاطع بشكل حاد مع قيم ثقافية حداثية استوطنت الى حد مقبول في المناطق المنخفضة من اليمن .
هذه الخصوصية في البنية الثقافية في اليمن هي في الأساس نتاج لعوامل جغرافية ومناخية واجتماعية وسياسية ومذهبية واهمها واكبرها اقتصادية ، وهي قد أدت في واقع الحال إلى ثنائية في العقل الجمعي داخل الهوية اليمنية الواحده ، بمعنى آخر خصوصية العوامل الثقافة والتاريخية في الهضبة والمنخفض أنتجت ثنائية تؤسس لحالة صراع وتناقض وليس لحالة توحد وانسجام ، لا سيما وأن تلك القيم الثقافية أخذت منذو زمن في التموضع على مناطق جغرافية معينة تعبر عن خصوصيتها او بمعنى أدق هي نتاج لهذه البيئة وعواملها المتداخلة وبشكل يجعل منهما نظام ثقافي مستقل بذاته = ( عقل جمعي ) .
ليس في هذا التوصيف شيء من الحتمية الغير قابلة لتغيير في واقعنا اليمني ، فالثقافة بماهي نظام ثقافي ومعرفي أو بما هي عقل مكون أو سائد تظل قابلة للتغيير بشكل إيجابي ، لكن ذلك مشروط بقدرة الجماعة نفسها على تحديث قيمها ، وكذلك بقدرة المكونات السياسية والاجتماعية على تجاوز معضلة الأسباب والعوامل التي تجعل من الثقافة بمفهوم العقل الجمعي شيء ممانعاً للتطور والتقدم ، بل أكثر من ذلك يتم استدعا العقل الجمعي الممانع من قبل الحاكم أو من في حكمه لضرب فرص التغيير التى تصنعها نضالات قوى التغيير والحداثة في اليمن كما حدث مؤخرا ً من قبل تحالف صالح وجماعة الحوثي .
2019/4/17