عيبان محمد السامعي
الحلقة (4)
المواطن – كتابات
تواصلاً مع الحلقات السابقة والتي تناولت الفيدرالية في تاريخ اليمن القديم والوسيط والحديث, تتناول هذه الحلقة الفيدرالية في الزمن الحاضر وحيثياتها.
الفيدرالية راهناً
أقرّت الوثيقة المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عُقد في الفترة (18 مارس 2013م – 25 يناير 2014م) الانتقال من شكل الدولة البسيطة إلى الدولة الاتحادية.
ووفقاً لذلك, فقد قُسمّت اليمن إدارياً إلى ثلاثة مستويات حكم, هي: المستوى الاتحادي, والأقاليم, والولايات. وقد تضمنّت الوثيقة محددات عامة للصلاحيات والمسؤوليات المنوطة بكل مستوى من المستويات الثلاث.
لم يأتِ هذا الإجماع الوطني صدفةً, بل كان نتاج شروط موضوعية وسيرورة عاشتها اليمن بُعيد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي) التي حكمها الحزب الاشتراكي اليمني, والجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) والتي حكمها المؤتمر الشعبي العام وهو حزب ذو توجه ليبرالي.
قامتْ الوحدة الاندماجية بين الدولتين السالفتين بصورة مُستعجلة وغير مدروسة, لم يُراعَ فيها التباينات والاختلافات في طبيعة وتوّجهات كلا النظامين, وهو ما ألقى بظلال قاتمة على عملية إدارة دولة الوحدة.
بدأت نُذر الأزمة تطلّ بقرونها بين طرفيّ الائتلاف الحاكم, وتصاعدت أكثر إثر قيام المؤتمر الشعبي العام ورئيس الجمهورية آنذاك ـــ علي عبدالله صالح ـــ بإعاقة تطبيق دستور1991م الذي أقر اللامركزية الإدارية والمالية في إطار الدولة البسيطة، وإخضاع المجالس المحليّة للانتخاب بكامل هيئاتها، ويشمل ذلك انتخاب المحافظين ومدراء المديريات، ومنح هذه المجالس صلاحية إدارة الشأن المحلي كسلطة مستقلّة, فردّ الطرف الآخر في الائتلاف ــــ الحزب الاشتراكي اليمني ــــ بتبني تعديل الدستور باتجاه تعميق لامركزية الحكم وتقديم رؤية لاعتماد الفيدرالية كحل للأزمة.[19]
وفي حقيقة الأمر فإنّ تبنّي الاشتراكي لهذا الخيار, كان ردة فعل لسياسة الضم والإلحاق التي مورست ضده وضد الجنوب منذ أول يوم من أيام دولة الوحدة. فقد اعتبرت نخب الشمال تحقيق الوحدة بمثابة “عودة الفرع (أي الجنوب) إلى الأصل (الشمال)”!, وليست وحدة قائمة بين دولتين مُعترفٌ بهما دولياً, ولهما شخصيتان دوليتان..!
على أساس هذا التصور تصرّفت نخب “الشمال”, وعمدت إلى تعميق الصراع والذهاب بالأمور إلى المواجهة؛ بهدف إخراج الحزب الاشتراكي اليمني من المعادلة والانفراد بالسلطة. وفي سياق ذلك نُفذّت عمليات اغتيالات ذهب ضحيتها ما يزيد عن (150) قيادي اشتراكي في الفترة ما بين عامي (1991 – 1993م).
إثر ذلك تدخلت بعض الدول الإقليمية في محاولة منها لإيجاد حل للأزمة, وقد أسفرت هذه المساعي عن “توقيع ما سميّ “وثيقة العهد والاتفاق” وقّعته كل الأحزاب السياسية.
بموجب الاتفاق المذكور، حُسِم الخلاف بإقرار نظام حكم يقوم على اللامركزية الإدارية والمالية، ومُنِحت المجالس المحليّة المنتخبة صلاحيات واسعة، وتوسّعت المشاركة في اتخاذ القرار التنموي، كما عزّز الاتفاق السلطة التشريعية باستحداث “مجلس شورى منتخب”، وهو غرفة برلمانية ثانية، وحَدّدت الوثيقةُ المهامَّ والصلاحيّات العامّة لمجالس الحكم المحليّ التنمويّة والخدميّة والإداريّة والماليّة.”[20]
وقبل أن يجفّ حبر التوقيع على الوثيقة, كان المؤتمر الشعبي وحلفائه من أطراف سياسية ومشائخ قبلية ودينية يعدّون العدّة للانقضاض على الطرف الآخر, وأعلنوا عليه الحرب, مستخدمين شعارات سياسية مضللة وفتاوى دينية آثمة تتهم الجنوبيين بالانفصال والاشتراكيين بالإلحاد.
لقد أحدثتْ تلك الحرب الغاشمة جروحاً غائرة في جسد الوحدة الوطنية لا تزال مفتوحة إلى اليوم. فقد قضتْ الحرب على الوحدة الطوعية واستبدلتها بـ”الوحدة المعمدة بالدم”, واستبيح الجنوب في 7/7/1994م, وعومل كأرض فيد وغنيمة, جرى اقتسامها بين الغزاة “الوحدويين” و”المجاهدين”.
أخذت سلطة 7/7 وتحت وهم “النصر” تتنمّر على المجتمع, وتُخرِج ما في جعبتِها من مطامع الاستحواذ. فشرعتْ بإجراء تعديلات واسعة على دستور دولة الوحدة, شددت بموجبها القبضة على السلطة والثروة. إذ تم إلغاء المجلس الرئاسي, واُختزلت السلطة بالحاكم الفرد, وأُفرغ الحكم المحلي من مضمونه لصالح هيمنة المركز (عاصمة الدولة).
الهوامش:
[19] بتصرف: د. محمد المخلافي, الخيار الفيدرالي في اليمن: طريق إلى سلام دائم؟, موقع الاشتراكي نت, 18 آيار 2018م.
[20] المصدر نفسه.
يتبع…